الكتاب الأول الإيجار (الكرية)

[حكم - 443] سمينا هذا القسم الاقتصادي العلمي لان الغالب فيه قيام الإنسان بالجهد البدني
مثل ان يؤجر نفسه للقيام بالخدمة أو بالصناعة أو بالزراعة و هو المسمى بالمزرعة و المساقاة (الفلاحة) أو التجارة وهو كتاب المضاربة أو بتمثيل الشخص ببعض الإعمال و المواقف و هو كتاب الوكالة أو يجهد نفسه بتحسين الأرض و هو كتاب أحياء الموات
وأوانه يصيد الحيوان نفسه او لغيره و هو كتاب الصيد الذباحة و يتبع ذلك كتاب الأطعمة و الاشربة
او يستخدم لعمل ما شخصا غير معين و هو كتاب الجعالة و هو واضح لدى الفضلاء و تسمية قسمه واضحة أيضا جدا ً
[حكم - 444] ان الله تعالى خلق الخلق و قدر لهم في إسعادهم في حياتهم الدنيا ان بعض الأمور يمارسها الشخص لنفسسه فيقوم بها بنفسه و يقيتصد بماله يعني لا يصرف ماله لاستخدام أم غيره
وهذا يتبع قدره الانسان و مقدار عمله بالعمل بتلك الامور و بعض الامور لا يستطيع او لم يفرغ للقيام بها
فعمله الله ان يستخدم غيره كما قال تعالى [أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ](1)
سخرياء بضم السين بمعنى يسخر الشخص شخصا آخر للعمل له و ليس بكسر الخلو التي معناها الاستهزاء و الاستنقاص)(2)
وأيضا علم الله الإنسان ان يمتلك ما يستطيع ان يمتلك من بيت يسكنه او دكان يتاجر فيه و سيارة يركبها وزوجة ينكحها و عمله انه أذا لم يستطيع للمالك ان يستأجر بيتا ً إلى اجل يسكنه وسيارة يركبها وزوجة يتمتع بها و يضارب آخرين ليتاجر برأس مالهم و هكذا
[حكم - 445] ان باب المعاملات كلها بل و العبادات كلها أيضا أصلها لم يتفرد الإسلام في الإتيان بها و أنما هي من الأمم السابقة و جاء الإسلام فوسعها و غير بعض كيفياتها و نظمها
فلاحظ بذلك جميع أبواب الفقه من التقليد و الطهارة و الصلاة و الصيام و الحج و الجهاد و التولي و التبري
ولاحظ أيضا من البيع و الإيجار و المضاربة و الزراعة و السباحة و الألعاب و النكاح و الطلاق و القصاص و الحدود و التعزيزات و هكذا
فان كل فصل من هذه هو مجموعة و قائم و معمول به ممارسة الانسان آدم(ع) الى نوح و الى ابراهيم و محمد و الحجة المهدي صلوات الله عليهم أجمعين و الى يوم القيامة
وعليه فالعبادات و المعاملات اصلها ليست شرعية و لا متشرعية بل هي فطرية انسانية قديمة بقدم الانسان على وجه البسيطة و اسبابها حب البقاء و غاياتها جلب المنفعة و دفع المضر و ادامة العيش و الحياة
[حكم - 446] قد قدمنا بان تعريفات الاسماء الشرعية ليست هي منعكسة ولا مطردة بالدقة العقلية و انما هي تعرفات تقريبية جامعة عرفية عقلانية و قد تعرضوا للإجارة و حلول عمل او منفعة بعوض و قليل أيضا أنها: تسلط على عين من إنسان او حيوان او عقار او غيرها للانتفاع بها و استعماله بعوض
[حكم - 447] الإجارة معنى واسع و قد اشرنا في بعض بحوثنا في هذه الموسوعة ان اللغات و خصوصا ً العربية و هي أوسع لغة بين الناس على ما احسب و ان لكل مادة معنى متحد متفرد يظهر في بعض مشتقاتها و يختص في بعضها ففي كلمة نهر هو بمعنى الواسع يتفرع منه الغاظ كثيرة يشتق من المصدر فالنهر و نهره بعمعنى واسع و النهار ضوء واسع و النهر الدم جرى جريانا واسع و نهره بمعنى زجره أ ً شديدا ً واسعا ً
و النهار بمعنى ضعفات قواه و ادته انهيارا ً و    ضعفا ً شديدا ً و اسعا و هكذا و عليه فالايجار كذلك يقال اجره كذا بمعنى بذله قبال اجرة و اجار فلان حماه من الاذى لقاء وده و اخوته و تقربه و هكذا المجبر و المستجير نعم قد يختفي في بعض مشتقاته الاجارة كونها قبال اجرة كالمجير و المستجير و لكنه يظهر ذلك أيضا فالمجير يبذل مكانته ليخلص المستجير به لقاء استضعافة و بالتاني خلاص المستجير اجره لبذل المجير فقد صح انه بذل باجره
وركونه اليه او لقاء الثواب من الله تعالى و الجار يجاوره أي يكافؤه لقربه منه و يستأنس احدهما بالآخر
[حكم - 448] قلنا مرارا ً كل العقود و الإيقاعات الإسلامية تصح بالمعاطاة كما تصح بكل لغة يفهمها المتخاطبان في عقدها باللفظ واذا كانت بالعربية فلا يشترط الفصاحة و انما حسب فهم المتخاطبين فان العوام يجعلون الفاعل مفعولا ً و بالعكس و يكسرون و يفتحون نكيفهم نعم يستثنى من الإيقاعات الطلاق و الملاعنة فأنهما بالعربية الفصيحة لا غير
[حكم - 449] من الألفاظ المستعملة هنا:
المؤجر بالهمزة و عدمها هو الباذل نفسه للخدمة او يعمل عملا ما او الباذل عقاره للسكن او العمل به و أي شيء للعمل به والانتفاع منه المستأجر بكسر الجيم هو المنتفع و المستعمل للشيء و المستخدم للعامل و بفتح الجيم هو نفس المؤجر
والأجير: هو العامل الذي يأخذ الأجرة على عمله و لا يقال لغير العاقل
[حكم - 450] وقع الكلام بين الفقهاء في قول العاقد آجر تك الدار او جرتك نفسي و لم يقل اجرتك منفعة او أجرتك سكن الدار
مع ان الايجار ليس هو تملك للدار و لا للشخص المأجور:
والجواب ان العرف يفهم معنى التعبير و لو لا فهمهم لو لوقع الاشكال
فاللفظ يعني استعمال الدار بالاستيلاء عليها

ومعلوم ان يأخذ المنفعة لا يتم الا بالاستيلاء بعين الدار فاللفظ يشير على الاستيلاء و يتبعه الانتفاع و مثله أي اعطيك الاجرة لخياطة كذا يعني ابحتك الاجرة لكذا فلفظ الدار او النفس قصد نحو الطريقية لا الموضوعية


(1) الزخزف 43 / 32

(2) سخر بفتح السين و تشديد و فتح الخاء يعني استعمل واستخدم و ارسل و استأجر و هي يسخر بضم الياء و بكسر الخاء مع التشديد وسخر بفتح السين و كسر بفتح الخا وبلا تشديد بمعنى استهزا وعاب و شجب و مضارعه يسخر بفتح الياء و الخاء بدون تشديد