البحث العاشر: إذ

بمناسبة البحث في إذا الشرطية والتعرض للآية [وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ] لا بأس نتعرض لشرح الآية حتى نعرف إن كلمات الآية تخص اللفظ الماضي لأنها محققة في المستقبل كالأمر الماضي.
إن إذ على عدة استعمالات: أحدها أن يكون ظرفا ماضياً وهو الغالب كالآية الكريمة: [فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا](1).
والثاني تكون مفعولاً به نحو [وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ](2).
معناها اذكروا الآن أي تذكروا حين كنتم وهي تغلب في أوائل القصص [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ](3). [وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ](4).
الثالث أن تكون بدلاً من المفعول نحو قوله تعالى: [وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ](5).
فإذ بدل اشتمال من مريم مثل قوله تعالى: [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ](6).
وأما قوله تعالى: [اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ](7).
فأنها يحتمل فيها أنها ظرف للنعمة ويحتمل أنها بدل منها.
الرابع: أن يضاف إليها اسم زمان نحو (يومئذ وحينئذ ووقت إذ وهذا وقت يصلح الاستغناء عنه
فيمكن أن تقول يوم إذا كان كذا وأما غير صالح الاستغناء عنه نحو [بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا](8).
الخامس أن تكون اسماً للزمن المستقبل نحو قوله تعالى: [يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا](9).
وقد شككوا في هذا القسم وذلك لأن هذا المستقبل لفظاً ومعنى بمنزلة الماضي لتحققه وأنه وعد الله فلذا صح فيه استعمال إذ وتبقى إذ على معنى الماضي.
السادس: أن تكون للتعليل نحو قوله تعالى: [وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ](10).
يعني يقال لهم حين كونهم في النار لن ينفعكم عن اشتراككم في النار بعلة أنكم اشتركتم بالظلم من ذي قبل.
واستشكلوا إن إذ للماضي فكيف تكون بدلاً من اليوم الذي هو مستقبل يحصل من بعد يوم الخطاب.
وعللوا في الجواب أن الدنيا والآخرة متصلان وأنهما في حكم الله سواء وإن الأمر متحقق يقيناً.
السابع: أن تكون للمفاجئة وهي الواقعة بعد بينا أو بينما.
كقول الشاعر:

استقدر الله خيراً وارضين به

 

فبينما العسر إذ دارت مياسير



فتكون ظرف زمان أو مكان أو حرف مفاجأة أو حرف توكيد وعلى الظرفية فالعامل الذي بعدها لأنها غير مضافة وعامل بينما محذوف يفسره الظاهر.
الثامن: أنها حرف تحقيق مثل قد ولا ريب أنها تفيد التحقق والتحقيق ما دامت أنها للزمان الماضي.
مسألة: إذا أضيفت إذ إلى جملة أسمية كقوله تعالى [وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ](11).
أو فعلية فعلها ماضٍ لفظا ومعنى [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ].
[وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ] [وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ](12).
أو فعلية لفظها مضارع وماضٍ معنى [وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ](13) [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا](14).
وأما الآية الكريمة [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا](15).
إن إذ فيها الأولى ظرف لنصره والثانية بدل من الأولى والثالثة مختلفة عن سابقتها لأن البدل لا يتكرر ولأن زمانها مضارع والبدل لا يتكرر إلا بالإضراب ومعنى ثاني اثنين أنه واحد من اثنين.


(1) التوبة 9/40.

(2) الأعراف 7/86.

(3) البقرة 30 وهي مكرره.

(4) البقرة 50.

(5) مريم 19/16.

(6) البقرة 217.

(7) المائدة 5/20.

(8) آل عمران 3/8.

(9) الزلزلة 99/4.

(10) الزخرف 43/38.

(11) الأنفال 8/26.

(12) آل عمران 3/121.

(13) البقرة 127.

(14) الأنفال 8/30.

(15) التوبة 9/40.