البحث الأول: فصاحة الكلمة:

فصاحة الكلمة: هي خلوصها:
1 - من تنافر الحروف.
2 - ومن الغرابة فاللازم أن تكون مالوفة الاستعمال.
3 - من مخالفة القياس الصرفي.
4 - من الكراهة في السمع.
أما الأول فالتنافر هو ثقلها علىالسمع وصعوبة أدائها باللسان وهو نوعان: إما شديد الثقل كالظش أي الموضوع الخشن ويهجع لنبت ترعاه الإبل وكقول الأعرابي تركت ناقتي ترعى الهجع.


2 - وخفيف الثقل كالنقنقة: لصوت الضفدع.
والنفاخ للماء: للماء العذب الصافي ونحو مستشرات بمعنى المرتفعات كقول امرئ القيس:
غدائره مستشزرات إلى العلا تضل العقاص في مثنى ومرسل
الغدائر: الضفائر والعقيصة جمعها عقائص ومختصرها العقاص والمثنى هو الخصال المعقوفة أو الملتوية بخلاف الخصال المرسلة فهذه الكلمات ثقيلة في الذوق السليم وصعبة في اللسان وأما الغرابة: أي غير مستعملة إلا شذوذ أو قليلاً وهي قسمان: الأول ما يتحير السامع لتردد معناها بين معاني وهي الألفاظ المشتركة. مثل قول رؤبة بن عجاج (مسرج) في الشعر


 

ومقلة وحاجبا مزججا وفاحما ومرسنا مسرجا)

 
المقلة: بضم الميم هي الكرة العينية المكون كَمن السواد والبياض او الجلدة للعين والحاجب المزجج: المعقود أي المتواصل أو هو المطول ولدقيق.
والفاصم: الأسود كالفحمة
والمرسن: بفتح الميم أو بكسرها وهو اللامع كالسرج والصقيل
والمسرج: حصل فيه الاختلاف قيل أن انفه مستوى ودقيق كالسيف السريجي المنسوب إلى سريج وهو صانع سيوف مشهور وصناعته مشتهرة وقيل: أن له بريقاً ولمعانا والأظهر أن الرسن: هو الحزام الدائر على رأس الدابة
والسرج: هو الجلد الذي على ظهر الدابة والمسرج هو الحيوان الذي عليه السرج فهو يشبه الحاجب بالسرج فوق الدابة وكالرسن وكأنما الدابة هي دورة العين فلأجل الاختلاف الحاصل بالمقصود بها جعل البيت غريباً في هذا التشبيه ومما شدد بالتعقيد أن فعَّل في مثل (مسرّجَ) ليست للتشبيه وإنما هي لنسبة شيء إلى شيء وأما (عزّر) في الآية الكريمة: [فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ](1) [وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ](2) وهي مشتركة لفظا بين التعظيم والتوقير والإهانة والضرب. والذي رفع الغرابة منها اقترانها بالنصرة والتوقير ولعل القروء في قوله تعالى: [وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ](3) وهي جمع قرء بمعنى الحيض وبمعنى الطهر بقيت على الغرابة إذا لا قرينة معها تعينها لواحد منهما فعدت من الآيات المتشابهة ولكن أهل البيت(ع) لم يدعوها مشتبهة إذ فسروها بالأطهار والغرابة القسم الثاني ما يعاب استعماله لاحتياج السامع الى مراجعة كتب معاني اللغة مثل تكأ كأتم في قول عيسى ابن عمرو والنحوي

 

مالكم تكأ كأتم علي كتكأ كئكم على ذي جنة

ّ أفر نقعوا عني
والمعنى: اجتمعتم علي كاجتماعكم على ذي جنون افترقوا عني انصرفوا عني فيه عدة كلمات غريبة من حيث غرابة المعنى وغرابة اللفظ ومثل مشمخر في قول بشر بن عوانة يصف الأسد

فخر مدرّجا بدم كأني هدمت به سناء مشمخرا


والمعنى: الخر هو السقوط بلا شعور
والمدرج: شيئاً فشيئاً
والمشمخر: المرتفع.
وأشد غرابة ما لم يعثر على تفسير في اللغة مثل (جحلنجع) بقول أبي الهمسيع من أعراب مدين:

 

أن تمنعي صوبك صوب المدمع

من طمحة صبيرها جحلنجع

يجري على الخد كضئب الثعثع

لم يحضها الجدول بالتنوع


وقالوا كنا لا نكاد نفهم كلامه
وتقريب المعنى أنه يخاطب صاحبته: أن تمنعي من مرافقتك مثل الدموع تفارق العين حيث يجري مفارقها إياها
والضئب حيوان بحري.
والثع هو الانصباب كانصباب الدم من الأنف.
والتكرر (الثعثع) مبالغة للكثرة.
والطمحة: النظرة.
والصبير: للسحاب المتراكم أو هو نبتة كالقرص سامة ذات اشواك صغيرة حادة.
والجحلنجع: محتمل فيه أنها كلمتان ك فالجحل: اليعسوب العظيم أو ولد الضب أو هو الجعل أو الصخرة العظيمة أو السم والأخير أظهر.
لأن النجع: هو التأثير الشديد ولم يحضها أي لم يحوها لا لجدول هو النهر والصبير يزرع على ظفافه.
وأما ثالثاً مخالفة القياس فهو أن تكون الكلمة شاذة لفظاً ليست على القياس الصرفي مثل قول الفقهاء (التعادل والتراجيح) والصرف قياسه في جمع ترجيح ترجيحات مثل ترميم وترميمات ومثل ترقيع وترقيعات.
ومثل الأجلل في قول أبي النجم:

الحمد لله العلي الأجلل

الواحد الفرد القديم الأول


والقياس (الأجل) بالإدغام ولا مسوغ لفكه إلا ضرورة الشعر وحسن أدائه.
وكقطع الهمزة الوصلية في قول جميل

إلا لا ارى اثنين أحسن شيمة

على حدثان الدهر مني ومن جمل


فقد قطع همزة اثنين ضرورة وهي همزة وصل
والشيمة: الخلق الحسن غالباً ويستعمل بالخلق السيء أيضاً فيقال شيمة الكرام وشيمة اللئام.
والحدثان: الليل والنهر والحوادث الواقعة على الإنسان ومني بمعنى عليَّ والجمل مركوبه.
نعم يستثنى منه ما تعارف استعماله من مخالف القياس الصرفي مثل المشرق والمغرب: بكسر الراء وقياسه بالفتح وهو محل الشروق والغروب، ومنه مثل خدمات بفتح الخاء والدال والقياس بكسر الخاء وسكون الدال لأنها جمع خدمة بكسر الخاء، وكذا لفظتها المدهن والمنخل بالضمتين والقياس بكسر الأول أي فاء الاسم وفتح الخاء أي عين الاسم، ومنها (عور) أي صار عوراً والقياس عار لتحرك الواو وانفتاح ما قبلها.
وأما رابعاً: الكراهة في السمع.
وهو كون كلمة وحشية لا تألفها إلا طباع ولا ترغبها إلا سماع وتكون منكرة كالجرشي بمعنى النفس كقول أبي الطيب المتنبي يمدح سيف الدولة:

مبارك الاسم أغر اللقب

كريم الجرشي شريف النسب.


الخلاصة: أن فصاحة الكلمة تكون بسلامتها من تنافر الحروف ومن الغربة و مخالفة القياس والابتذال والضعف والكراهة.


(1) الأعراف 7/157.

(2) الفتح 48/9.

(3) البقرة 2/228.