الحال والتمييز

لا بأس للتنزه خارج الموضوع لتقوية الجمل وتوضيح بعض نواحي الترابط في الجمل
الحال تجيء جملة أو مفرد وتجيء موصولة بالعطف بالواو أو مقطوعة مفصولة.
ويجب وصل الحالية بالواو إذا خلت من ضمير صاحبتها نحو جاء فلان والشمس طالعة ويسموها واو الحالية.
قال ابن مالك:

 

الحال وصف فضلة منتصب

 

معهم في حال كفردا أذهب


والفرق بين الحال والتمييز فالحال وصف مشتق يدل على الهيئة والتمييز جامد غالباً والمشتق منه قليل نحو (لله دره فارساً) فالحال وصف فضلة يعني زائدة في الجملة على أصلها من (عمدتها) الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر.
ثانياً: - التنقل والاشتقاق
الغالب يجيء الحال مشتقا: رأيت علياً راكباً
والغالب يجيء متنقلاً أي وصف لا يلزم صاحب الحال وإنما يتنقل من الهيئة إلى هيئة أخرى وهكذا مثل راكباً ماشياً سابحاً سابقاً هادئاً ينام شاخراً يضحك ساخراً ابتسم فرحاً وهذا وقد يجيء صفة لازمة غير متنقلة مثل (دعوت الله سميعاً).
ورآني الله مؤمناً
(ويراك الله شهيداً)(1) وخلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها) وخلق الله الكنغر رجليه أطول من يديه قافزاً على رجليه.
وهذا مثال أيضاً لكون الحال جاء غير مشتق (يديها أطول من رجليها)
ما قلنا وهو شاذ غير متعارف في الحال.
وتجيء الحال غير متنقلة في 3 مسائل
1 - أن يكون العامل مشعراً بالتجدد نحو [وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا].
فالعامل (خلق) يدل على التجدد والحدوث فلا يحتاج الحال لكونه للتنقل والحدوث.
وكذلك قول الشاعر (فجاءت به سبط العظام).
أي مستوي البدن والسبب أن التولد يدل على التجدد فلا يهم أن يكون حاله صفة لازمة غير متجددة.
2 - إذا جاءت الحال مؤكدة إما لعاملها مثل [فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا] لأن الضحك ملازم للتبسم إذ لم يكن ضحك أوله ابتسامة ومثل [وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا](2).
وأما لصاحب الحال نحو قوله تعالى: [لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا].
وأما مؤكدة لمعهود ذهني أو ذكري نحو زيد أبوك عطوفاً.
3 - في أمثلة مسموعة لا حصر لها ولا ضابط كقولهم دعوت الله سميعاً وقوله تعالى [أنزل إليكم الكتاب مفصلاً].
وقوله تعالى [قائما بالقسط].
ولكن الثالث لا أراه خارجاً عن الغرض الثاني لأن صاحب الحال معهود للمتكلم والسامع.
فهذه أوصاف لازمة غير متجددة وهي حال من الجملة وبعضها جامد غير مشتق
ثالث: إن المعروف أن الحال يجب أن يكون اسم فاعل
وخرج منه بعض الأمثلة شذوذاً مثل كلمات التأكيد كما مر واليد والرجل وقال في الألفية:

ومصدر منكرها لا يقع

 

بكثرة كبغتة زيد طلع


ويكثر الجمود في سعر مثل بعه مداً بكذا.
وقوله بكذا جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمد مثل مد كائنا بكذا.
2 - وفيما يبدي تأولاً بلا تكلف نحو زيد أسداً، بتأويل شجاع كالأسد فهو متأول بالمشتق.
3 - فيما دل على التفاعل مثل سلمه البضاعة يداً بيد) أي مناجزة ومسالمة.
رابعاً: الحال نكرة وليس معرفة.
قال في الألفية:

والحال إن عرّف لفظاً فاعتقد

 

تنكيره معنى كوحدك اجتهد.


وكقولهم جاءوا الجماء الغفير وأرسلها العراك وكلمته فاه إلى فيَّ
والجم معناه جمعاً والغفير: كثيراً والعراك: مضطربة أو مجتمعة ومزدحمة والكلمة فم إلى فم يعني متراجعان كلاماً بكلام.
خاصاً: ذو الحال معرفة غالباً.
والمسوغ لكون ذي الحال نكرة أمور:
1 - تقدم الحال كقول الشاعر:

وبالجسم مني بينا لو علمته

 

شحوب وإن ستشهدي العين تشهد


فبينا حال وشحوب المتأخر ذو الحال.
2 - إن تخصص النكرة بوصف مثل الآية الكريمة: [فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا]
فكل أمر نكرة وصفت بالحكيم.
وقول الشاعر: نجيت يا رب نوحا واستجبت له في فلك ما خر في اليم مشحونا
وفلك نكرة موصوفة بالماض
3 - أن يكون ذو الحال نكرة بعد نفي أو نهي أو استفهام
كقوله تعالى: [وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ].
فقرية نكرة وجاءت بعد نفي وقولها (لها كتاب) لا يكون صفة لقرية لأنه مستثنى.
ومثال الاستفهام:

يا صاح هل هم عيشى باقيا فترى

 

لنفسك العذر في إبعادها الأملا.


ومثال النهي قول الألفية (لا يبغي امرؤ على امرئ مستهلا).
4 - بدون حجة سمع في عدة عباراته للعرب بدون قاعدة وهو شاذ مثل (مررت بماء قعدة رجل) وقولهم (أعطيته ماءً بيضاء) وأجاز سيبويه: فيها رجل قائماً.
وفي الحديث (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله قاعداً وصلى وراءه رجال قياما).
5 - أن يكون الحال جملة مقترنة بالواو كما في قولك: زارنا رجل والشمس طالعة والواو أبعدت كون الجملة صفة للرجل إذا النعت لا يفصل عن المنعوت ففي قوله تعالى [وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ] فالواو فاصلة ثلاث مسوغات لكون قرية نكرة ذات حال وهي تقدم النفي ووقوع الواو في الحال واقتران الجملة بألا لأن الاستثناء المفرغ لا يقع في المنعوت.
6 - أن تكون الحال جامدة نحو هذا خاتم حديداً.
7 - أن تكون النكرة مشتركة مع معرفة أو مع نكرة قد صح مجيء الحال منها كقولك جاءني زيد ورجل راكبين أو زارني رجل صالح وامرأة مبكرين.


(1) قول النبي ص وآله للإمام الحسين(ع) (يا بني ارجع فقد شاء الله أن يراك شهيداً).

(2) مريم 19/33.