البحث الثاني: في المجاز المفرد المرسل وعلاقاته

سمي مرسلاً في مقابل المشابهة
فالمرسل له علاقات عديدة غير المشابهة وأهمها:
1 - السببية وهي كون الشيء المنقول عنه سبباً لإطلاقه على المعنى المجازي ومؤثراً بالمعنى الثاني وذلك فيما سمي السبب وقصد به المسبب كما في قولهم: رعت الماشية الغيث يقصد النبات بعلاقة أن الغيث وهو المطر سبب لنمو الزرع.
وهذه القرينة لفظية وهي رعت
ونحو: لفلان عندي يد أي نعمة أو مساعدة بسبب أن يده هي التي أدت إليَّ تلك المساعدة والنعمة فسميت باسم اليد وهي السبب.
وكذا لو قلت لفلان عليّ يد يعني قوة وسلطة أو مساعدة
2 - المسببية: وهي كون المنقول عنه مسبباً وأثراً للمنقول وذلك إذا ذكر المسبب وقصد السبب نحو قوله تعالى [وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا] أي مطراً يسبب لكم الرزق.
3 - الكلية: هي كون اللفظ متضمناً للمقصود وغيره وذلك إذا ذكر لفظ الكل وأريد الجزء
نحو قوله تعالى [يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ] بمعنى يجعلون أنامل أصابعهم والقرينة حالية لعدم قدرة وضع الأصابع كلها في الأذان عادة
ونحو قولك شربت ماء النيل والمقصود غرفات منه والقرينة حالية لعدم قدرة شرب النيل كله.
4 - والجزئية: وهي كون المذكور ضمن بالمقصود وذلك إذا ذكر الجزء وقصد الكل نحو قوله تعالى [فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ].
يقصد به تحرير عبد فهو مجاز مرسل
ونحو نشر الحاكم عيونه في المدينة يعني جواسيسه بقرينة أن العين الجزء المهم من الجاسوس في عملية التجسس والقرينة الاستمالة.
5 - واللازمية: هي كون الشيء يلزم وجوده عند وجود الآخر فيلفظ والمقصود الآخر مثل: طلع الضوء يقصد طلعت الشمس لأن الشمس لازم لحصول الضوء.
6 - والملزومية: وهي كون الملفوظ سبب للمقصود والمقصود ملزوم للملفوظ كقولك دخلت الشمس غرفتي تعني شعاعها فالشعاع المقصود ملزوم للشمس الملفوظ بها وقولك عم الشمس الساحة تقصد ضوءها.
7 - والآلية: وهي كون الملفوظ آلة للمقصود وذلك إذا ذكر اسم الآلة وقصد ذوها كقوله تعالى [وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ] يعني اجعل لي ذكراً حسناً في الناس واللسان آلة للذكر.
8 - والتقييد: أن اللفظ مقيد لطائفة من الأشياء ويستعمل بالأعم منها كما لو قال علف القوم وراحوا. والعلف مقيد للحيوانات ولا يقال لطعام الإنسان علفاً ولكن المتكلم كسر القيد وأطلق اللفظ بما يشمل أكل الإنسان. ومثله لو قال استحم البعير وخرج
إذا الاستحمام خاص بالإنسان وقد أطلقه فنسبه إلى البعير حين اغتسل.
9 - العموم: وهو كون اللفظ شاملاً لكثير ويقصد به المتكلم أناساً مخصوصين كما في قوله تعالى [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ] والناس العام أريد به النبي والأئمة المعصومين(ع) من بعده. وكذلك قال تعالى [الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ] أريد به نعيم بن مسعود الأشجعي المنافق كان يخوف المؤمنين من قريش.
10 - والخصوص هو كون اللفظ خاص بشيء واحد كإطلاق اسم واحد يقصد به قبيلته وذريته كأسد وهاشم وأمية وربيعة وقريش.
11 - اعتبار ماضيه كقوله تعالى [وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ] [فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا] يعني من كان يتيماً
12 - باعتبار مآله ومستقبله كقوله تعالى [إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا] يعني أعصر الزيتون الذي يصنع خمراً وكذا قوله [فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ] يعني يزرعون ويحصدون ما سوف يعصرونه وكذا قوله تعالى [وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا] ومعلوم أن الولد حين يولد لا فاجر ولا كافر وانما بعد البلوغ يصبح كافراً.
13 - والحالية الظرفية: وهو كون الملفوظ حالاً في المقصود والمقصود ظرف له كقوله تعالى [فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ].
يعني الجنة التي فيها تجري رحمة الله.
وهو مجاز مرسل علاقته (الحالية) وقوله تعالى [خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ] أي ملابسكم التي فيها الزينة.
وقولهم: أرى بياضا وأرى حركة تعلو وتنحط أي أرى شيئاً فيه بياض وأرى شيئاً فيه حركة
14 - المحلية (المظروفية): وهي كون الملفوظ محلاً للمقصود يعني يلفظ المحل ويقصد الحال فيه كقوله تعالى [وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا]. أي أهل القرية [فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ] أي أهل النادي الذين ينصرونه [يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ] أي ألسنتهم التي في أفواههم.
15 - البدلية: وهي كون الملفوظ بدلا للمقصود كقوله تعالى [فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ] والقضاء بمعنى الانتهاء يعني إذا قضيتم أداء الصلاة فأبدل القضاء بدل الأداء وقولك (قضيت ما علي) تقصد أديت ما عليَّ.
16 - والمبدلية: وهي كون الملفوظ مبدلاً عن المقصود كقولك أنكروا دم زيد أو كلوا دم زيد يعني أكلوا دية دمه وأكلوا أتعابه يعني حق أتعابه.
17 - والمجاورة: وهو كون الملفوظ مجاور المقصود كما تقول رحت لساحة الباصات وأنت تقصد داراً بجوار الساحة وكقول الشاعر (نقي الثوب من درن) أي الشخص لابس الثوب انه نقي من السيئات .
18 - التعلق الاشتقاقي: هو إقامة صيغة مشتقة بدل أخرى في عدة ألفاظ:
أ - تعبير بالمصدر بدل اسم المفعول.
كقوله تعالى [صنع الله الذي أتقن كل شيء] أي مصنوع الله.
ب - المصدر بدل اسم الفاعل والمعبر عنه ذوه كقوله تعالى [إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ] أي ذووا نجس
وقوله النبي صلى الله عليه وآله يوم (برز أمير المؤمنين(ع) لعمرو بن عبد ود في حرب الخندق برز الإيمان كله إلى الشرك كله) أي ذو الإيمان كله إلى ذي الكفر كله.
ت - إطلاق اسم الفاعل عن المصدر كقوله تعالى [لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ]. أي ليس لها تكذيب.
ث - إطلاق اسم الفاعل عن اسم المفعول [لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ] أي لا معصوم من أمر الله وهو الهلاك بالغرق.
ج - إطلاق اسم المفعول عن اسم الفاعل كقوله تعالى [حِجَابًا مَسْتُورًا] أي ساتراً.