البحث الرابع: في المجاز المفرد بالاستعارة

الاستعارة: هو معاملة أخذ الشيء إلى أمد والاستفادة منه مجانا وإرجاعه
واصطلاحها: هي استعمال اللفظ في غير ما وضع له بعلاقة المشابهة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه مع قرينة توضح ذلك فالاستعارة تشبيه مختصر فقولك (رأيت أسداً في المدرسة اختصار من قولك رأيت رجلاً شجاعاً كالأسد في المدرسة.
فحذف المشبه وضع المشبه به مكانه وحذف أداة التشبيه وذكر المدرسة هي القرينة على إرادة الرجل الشجاعة من الأسد.
وأركان الاستعارة ثلاثة.
مستعار منه: وهو المشبه به الحيوان المفترس وهو الاسد
ومستعار له: المشبه ويسميان الطرفان الرجل الشجاع
ومستعار: اللفظ المنقول أسد
واشترطوا عدم ذكر وجه الشبه ولا الأداة مع تناسي التشبيه مع إدعاء أن المشبه هو عين المشبه به أو إدعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه الكلي
وبعبارة أوضح: أن الاستعارة تقتضي إدخال المشبه في جنس المشبه به ولذلك لا يصح أن يكون المشبه به علما ويلزم أن يكون جنسا لأن العلمية معناها التشخص والجنسية معناها العموم.
فإذا وصفت شخصا بأنه حاتم فلا بد أن تجعل حاتما جنسا بمعنى الكرم ولم يبق على العلمية وإلا لا يستخدم بالاستعارة
وتابع عينات من ذلك قال الشاعر:

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم  

طاروا إليه زرافات ووحدانا


وصور الشر بصورة حيوان مفترس مكشر عن أنيابه مما يملأ الفؤاد رعبا وصور القوم الذين يعنيهم فاستعار لهم صورة طيور جوارح تطير إلى مصادمة الأعداء طيرانا مما يستثير إعجابا بنجدتهم مما يعظم شأنهم ومعرفة حميتهم وشجاعتهم قال امرئ القيس في وصف الليل بالطول

 

فقلت له لما تمطى بصلبه  

وأردف إعجازا وتاء بكلكل


الكلكل الصدر أو ما بين الترقوتين
مثل الليل بصورة شخص طويل القامة واستعار صلبا يتمطى به وبالغ في ذلك بأن جعل له إعجازا يردف بعضها بعضا واستعار الكلكل للثقل على قلب الساهر في تفصيل بديع رائع ومؤثر على قلب وأخذ بقلوب السامعين.
وقال أبو الطيب:

رماني الدهر بالأرزاء حتى

فصرت إذا أصابتني سهام

 

فؤادي في غشاء من نبال

تكسرت النصال على النصال


النصال السهام:
فقد صور المصائب سهاما في سرعة إصابتها وشدة إيلامها وبالغ في وصف كثرتها بأن جعل منها غشاء محيطا في فؤاده حتى جعل ذلك الغشاء متينا كثيفاً حتى لا تجد منفذا من بينها لكثرتها وصارت تتكسر النصال على النصال التي سبقتها أرأيت الشعراء كيف جاؤوا بسحر عظيم وسحروا أعين الناس.