البحث السابع: الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار

الاستعارة إما: 1 - أصلية سواء تصريحية أو مكنية وهي إذا كان اللفظ المستعار اسماً ذاتياً جامداً كالبدر إذا استعير للجميل.
أو اسماً معنوياً جامداً كالقتل والموت إذا استعير للضرب أو للضلال أو للظلم نحو قوله تعالى [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ](1).
فقد شبهت الآية الضلالة بالظلمة على الاستعارة الأصلية التصريحية والضلال مشبه والظلام مشبه به وقوله تعالى [وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ](2).
شبه الذل بالطائر واستعير المشبه به (الطائر) للمشبه (الذل) على الطريقة المكنية وحذف الطائر ورمز إليه بلازمه وهو الجناح سميت أصلية لاستقلالها وعدم تبعيتها فإنها اسم وليس بحرف شبيه الحرف الذي شأنه التبعية.
2 - التصريحية التبعية وهي إذا كانت المستعار فيها فعلاً أو اسماً مشتقا أو اسم فعل أو اسماً مبهما أو حرفا أو ما شابه الحرف المعنوي كالأفعال الناقصة وأسماء الاستثناء والزمان والمكان والحال والتمييز والاسم المبهم هو الضمائر والموصول والإشارة وإلى الأمثلة والتفصيل:
فمثال الاستعارة التصريحية التبعية:
1 - في الفعل: نطقت الحال بكذا
فقد شبهت الدلالة الواضحة بالنطق بجامع وضوح المعنى في الكل واستعير النطق لوضوح الدلالة.
2 - ونحو: يحي الأرض بعد موتها: فعبر عن تزينها بالزرع وسكانها بالأحياء بجامع الحسن والنفع في الكل.
واستعار الأحياء للتزيين واستعار تبعية الفعل للمصدر هذا فيما كانت الاستعارة بالفعل بحسب دلالة صيغته وهو الحدث المدلول له.
3 - وأما باعتبار مدلول هيئته وهو الزمن كما في قوله تعالى [أَتَى أَمْرُ اللَّهِ].
فتقريره أنه شبه الآيتان بالمستقبل القريب بالتعبير بالفعل الماضي وبجامع التحقق والوقوع في الكل واستعير الماضي للآيتان القطعي في المستقبل على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
4 - ونحو: [وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ] باعتبار تحقق النداء وقد شبه النداء المستقبلي التحققي بالنداء الماضي. واشتق نادى من ينادي.
5 - ونحو: [مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا] أن قدر المرقد مستعاراً من الموت فالاستعارة أصلية لأن الموت اسم جامد وإن قدر المرقد لمعنى القبر فالاستعارة تبعية لأنها اسم مكان فلا يقدر المرقد للقبر إلا بعد استعارته للموت لأن التقدير التبعي مرتبته بعد الأصلي.
6 - ومثال الاستعارة في اسم الفاعل: زيد قاتل عمروا
إذ كان قد ضربه ضرباً شديداً فالاستعارة تبعية وإذا كان استعار القتل بمعنى الموت فالاستعارة أصلية لأن الموت اسم جامد.
7 - وللاسم المفعول: بكر مقتول لزيد: أيضاً إذا كان بكر مضروب لزيد ضرباً شديداً.
فقد شبه الضرب الشديد بالقتل المشبه به فاستعار له القتل بجامع الإيذاء الشديد والضرر في كليهما. على سبيل الاستعارة التبعية التصريحية.
8 - ومثال الصفة المشبهة: هذا حسن الوجه فإن كان صادقاً بأن كان المشار إليه حسن الوجه فهي استعار تبعية تصريحية حقيقية وإن كان غير حقيقي بأن كان المشار قبيح الوجه فقد شبح القبح بالحسن فالقبح مشبه والحسن مشبه به بجامع التأثر في النفس في أحديهما سلباً والأخرى إيجاباً. على سبيل الاستعارة التصريحية التهكمية.
9 - والاستعارة في أفعل التفضيل: هذا اكثر قتلاً لعبيد زيد أي أشد ضرباً لهم منه.
10 - وفي اسم الزمان والمكان: هذا مقتل زيد قاصداً مكان أو زمان قتله.
11 - وفي اسم الآلة: مثل هذا مفتاح الملك مشيراً إلى الوزير إذ شبه الوزير بالمفتاح والوزارة بالفتح بجامع التوسل إلى المقصود والمطلوب.
12 - واسم الفاعل المشتق كقولك نزال يا زيد بمعنى انزل ودراك بمعنى ادرك.
13 - واسم الفعل غير المشتق: صه بمعنى أسكت.
14 - التصغير مثل رجيل يشار به لمن يعمل ما لا ينبغي فيحقر ويصغر.
15 - والنسبة مثل قرشي للمنسوب لقريش وعراقي لمن سكن العراق تعود بعادات أهله.
16 - ومثال الاستعارة في الحروف قوله تعالى [فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا] اي موسى النبي(ع).
بسبب أن مآل هذا الوليد عليه السلام سوف يكون عدواً لهم وحزناً لهم ويقوض سلطانهم الملحد شبه المحبة والتبني بالعداوة والحزن وكأنهم أخذوه ليعملوا منه عدواً.
فلم تجعل الآية لنيتهم حين الالتقاط نصيباً من الذكر ولم تشر إليها ولذلك سميت اللام في (ليكون) لأم العاقبة واللام هنا لم يستعمل في معناها الأصلي وهي علية الموضوع للمحمول والمسند إليه للمسند.
واستعيرت اللام من المشبه به (العداوة) للمشبه (المحبة) على طريق الاستعارة التصريحية التبعية فالمستعار منه العلة المحبة والمستعار له العاقبة التي حصلت بجامع أن كل منهما مترتب على الالتقاط
17 - وقوله تعالى [لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ].
استعير في الذي هو للظرفية لمعنى (على) على سبيل الاستعارة التصريحية شبه الاستعلاء (على) للظرفية (في) بجامع التمكن في كل منهما. ومثال الاستعارة المكنية التبعية في:-
18 - الاسم المشتق: ومثلوا له: يعجبني إراقة الضارب دم الباغي) شبه الضرب الشديد بالقتل بجامع إزهاق الروح وحذف لفظة القتل وأثبت له لوازم القتل وهو إراقة الدم على سبيل الاستعارة بالكناية التبعية.
19 - ومثال الاسم المبهم: قولك لجليسك المشغول عنك: شخص صمم
وبالجملة: أن بالنسبة للإشارة الحسية مثل هذا الشخص كذا والمستعملة مجازاً للإشارة العقلية نحو هذا رأي حسن والآية [فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا].
من حيث أن العداوة والحزن ليس هو محسوساً وقد قلنا أن اللفظ المستعار اسماً مشتقاً أو اسماً مبهما فالاستعارة مكنية دون بقية الاستعارات.
وسميت تبعية لأن المشتقات والحروف تابع من التوابع إذ المشتقات تابعة لمصدر الاشتقاق والحروف تابعة للأسماء والأفعال في الجمل إذ معاني الحروف جزئية فلا يستعار منها إلا بواسطة كلي مستقل بالمفهومية ليتشبه ويتشبه بها ويحكم عليها أو بها نحو ركب فلان كتفي غريمه: أي لازمه ولم يفارقه


(1) إبراهيم(ع) - 14/1.

(2) الإسراء 17/23.