33 - الأسلوب الحكيم:

هو تلقي المخاطب بغير ما يترقبه على نحوين
الأول بترك سؤاله وإجابته بجواب لم يسأله.
كقول القبعثري للحجاج حيث قال الحجاج(1) (لأحملنك على الأدهم) يقصد القيود
فأجابه: مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب.
يقصد الفرس الأسود والأبيض
فقال الحاج أروت الحديد، فقال القبعثري: لأن يكون حديداً خيرٌ من أن يكون بليداً.
يقصد بالحديد هنا الشخص المتعصب وهو تعريض بالحجاج لع
ويقصد أن الأليق بك أن تعد لا أن تتوعد
وسبب ذلك أن شخصاً قد ذكر الحجاج إمام القبعثري وكان في بستان فقال اللهم سود وجهه وأقطع عنقه وأسقني من دمه.
فوشى به أحد السامعين فأحضر عند الحجاج وقال له لماذا قلت ما قلت قال إنما قصدت العنب
وهذه أيضاً تصلح شاهداً للعنوان.
الثاني بحمل كلام المتكلم على غير ما قصد تنبيها له أو لغيره على أنه ينبغي له أن يفعل كذا لا أن يقول ويفعل ما قد قال وقصد ومن هذا القبيل في القرآن الكريم ومنه [يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ].
فنبه المسلمين أن يسألوا عن موارد الإنفاق لا عن المقادير.
ومثله [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ].
وقد سألوا النبي صلى الله عليه وآله أن الهلال لم يبدوا صغيراً ثم يكبر ثم ينقص حتى ينمحي فأجابهم إن عليكم بالاهتمام بالعبادات وانتظام الأعمال حسب التوقيت ومن مثل الأول أيضاً قول الشاعر:

 

ولقد أتيت لصاحبي وسألته

فأجابني والله داري ما حوت

 

في قرض دينار لأمر كانا

عينا فقلت له ولا إنسان


وقال آخر: طلبت منه درهما يوما فأظهر العجب وقال ذا من فضة يصنع لا من الذهب.
ولعل من النحو الثاني قول ابن الحجاج في زيارته لأحد أصدقائه

 

قلت ثقلتُ إذا أتيت مراراً

قلت طولت؟ قال أوليت طولاً

 

قال ثقلت كأهلي بالأيادي

قلت أبرمت قال حبل ودادي


فقال ابن الحجاج قد ثقلت عليك حيث جئتك مراراً فأجاب الصديق قد أنعمت وأحسنت علي بالأيادي أي جمع يد وهو الإحسان.
وقال قد طولت عليك البقاء عندك ولعلك مشغول وتستحي أن تصرفني فأجابه الصديق أوليتني طولاً بفتح الطاء أي كرما وعطاءً
فقال ابن الحجاج قد أبرمت عليك أي أمللتك من زيارتي
فأجابه الصديق أبرمت حبل الود والصداقة مثل برم الحبل بعضه ببعض لتقويته.


(1) الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله ولعن بني أمية وأعمالهم وما فعلوا بأمة الإسلام فإن الحجاج قد لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله (قال اللهم ألعن غلام ثقيف) ولما مات الحجاج وجد في سجنه مائة ألف سجين وخمسين ألف امرأة كلهم أو جلهم من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله.