أنواع اللفظي:

1 - منها الجناس التام وهو ما اتفق اللفظان المتجانسان في نوع الحروف وعددها وهيئاتها من الحركات والسكنات وترتيبها مع اختلاف المعنى.
فإن كان اللفظان المتجانسان من نوع واحد أي من اسمين أو فعلين أو حرفين سمي الجناس مماثلاً ومستوفيا.
نحو قوله تعالى: [وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ].
ونحو قوله (رحبة رحبة) بنفس الحركات وهو الفتح والرحبة الأولى بمعنى فناء الدار والثانية بمعنى واسعة.
وإن كانا من نوعين كفعل واسم: سمى الجناس مستوفيا
نحو: ارع الجار ولو جار اسم وفعل وكقول الشاعر:

ما مات من كرم الزمان فإنه

يحيا لدى يحيى بن عبد الله


فعل مضارع ثم اسم.
وقوله:

إذا رماك الدهر في معشر

فدارهم ما دمت في دارهم

قد أجمع الناس على بغضهم

وأرضهم ما دمت في أرضهم


فعل أمر وضمير الغائب واسم الغائب وكذا الشطر الثاني.
2 - ومنها الجناس غير التام: وهو ما اختلف فيه اللفظان في واحد أو أكثر في الأربعة السابقة وزيادة عن أخرى يكون إما حرفا واحد أو أكثر ففي الحرف الواحد: دوام الحال من الحال فالزائد فقط الميم في أول الكلمة أو الزائد يكون في الوسط مثل: جدي جهدي وهو الهاء في تفسير الجد أو في الآخر مثل الهوى مطية الهوان: وهو النون في آخر الكلمة.
والأول يسمى مردوفا
والوسط يسمى مكتتفا
والأخير يسمى مطرفا.
وهذه الأمثلة أيضا في هذا المضمار مثل قوله تعالى: [ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ].
الحرف المختلف في أول كلمتي تفرحون، تمرحون.
وقول الشاعر:

فإن حلوا فليس لهم مقر

وإن رحلوا فليس لهم مغر


في أول كلمة رحلوا زاد للراء على حلوا.
وقول النبي صلى الله عليه وآله: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
الاختلاف حرف في الخيل والخير في آخر الكلمة.
وقول أمير المؤمنين ع:

كن ابن من شئت واكتسب أدبا

إن الفتى من يقول ها أنا ذا

يغنيك محموده عن النسب

ليس الفتى من يقول كان أبي.


ومن الاختلاف في عدد الحروف كقولك: هذا بناء ناء
ومن اختلاف ترتيب الحروف قوله في حسامه فتح لأوليائه وحتف لأعدائه الاختلاف في فتح وحتف وهما فنفس الحروف مع التعاكس مثل: حلم وملح ومثل محل ولحم.
وقول الأحنف:

حسامك فيه للأحباب فتح

ورمحك فيه للأعداء حتف


ومن اختلاف الهيئة قول الشاعر.

الجد في الجد والحرمان في الكسل

فأنصب تصب عن قريب غاية الأمل


فبين الجد والجد تماثل المستوفي.
وبين الكسل والأمل الجناس المختلف في حرفين وبين أنصب نصب خلاف بالعدد.
والثاني الجناس المطلق: وهو فيما اتفقت الكلمات بالحروف ومختلفة بالاشتقاق كما نسب للرسول صلى الله عليه وآله في مدح وتشجيع العشائر قال: (أسلم سلمها الله وغفار غفر الله لها وعصية عصت الله ورسوله).
فإن جمعها اشتقاق واحد نحو قوله تعالى [لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ].
فيسمى جناس اشتقاق لأنها من نفس المادة
وكقول الشاعر:

فيا دمع أنجدني

على ساكني نجد


وقول البحتري:

نسيم الروض في ريح شمال

وضوب المزن في راح شمول.


وقول الشاعر:

أراك فيمتلي قلبي سرورا

فجروا هجر وصل ولا تصلني

وأخشى أن تشط بك الديار

رضيت بأن تجور وأنت جار


وقوله:

من بحر جودك اغترف

وبفضل علمك اعترف.


وقول الحريري:

لهم في السير جرى السيل

وإلى الخير جرى الخيل.


وقول الشاعر:

سما وحمى بني سام وحام

فليس كمثله سام وحام.


3 - من التقسيمات الجناس المذيل والجناس المطرف.
فالأول يكون الاختلاف بأكثر من حرفين في آخره كقول أبي تمام:

يمدون في أيد عواص عواصم

تصول بأسياف قواض قواضب


يكثرون من وجود العواص جمع عاصية في العواصم.
ويثيرون العداوات ويضربون بالأسياف القاضية على النفوس قواض جمع قاضية والقواضب جمع قاضبة وهي القاطعة أمر الماسكة للسيف.
والثاني الجناس المطرف كقول الشيخ عبد القاهر:

وكم سبقت منه إلى عوارف

وكم غرر من بره ولطائف

ثنائي على تلك العوارف وارف

لشكري على تلك اللطائف طائف



4 - ومنها الجناس المضارع والجناس اللاحق.
أ - فالمضارع يكون باختلاف ركنيه في حرفين لم يتباعدا مخرجا
والاختلاف في الحروف الأول كقولهم: ليل دامس وطريق طامس.
فالدال قريب من الطاء مخرجه في اللسان.
وأما بالحروف الوسطى نحو قوله تعالى [وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ].
وأما في الآخر نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: الخيل معقود في نواصيها الخير يوم القيامة.
ب - واللاحق يكون في متباعدين مخرجا.
أما في الأول مثل قوله تعالى [هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ](1) أي عيابا ذاماً والهاء من حروف الحلق وهو بعيد عن مخرج اللام.
وأما في الوسط نحو قوله تعالى [وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ](2) والهاء بعيد المخرج عن الدال.
وأما في الآخر: نحو قوله تعالى [وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ](3).
5 - ومنها الجناس اللفظي وهو ما تماثل ركناه لفظ واختلف أحد ركنين عن الآخر خطأ إما بالنون والتنوين.
كقول الشاعر: ً

 

أعذب خلق الله نطقاً وفما

إن لم يكن أحق بالحسن فمن



فماً مقابل فمن

مثل الغزال نظرة ولفتةً

من ذرآه مقبلاً ولا أفتتن.


لفتةً مقابل افتتن.


ب -,أما بالضاد والظاء: كقوله تعالى [وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ](4).
وقول أبي فراس:

ما كنت تصبر في القديم

ولقد ظننت بك الظنون

فلم صبرت الآن عنا

لأنه من ظن ضنا


الظن من معنى الاحتمال الأجح والضن بمعنى بخل
ويقال الظنون الشكوك والريب.
ج - وأما بالهاء والتاء: كقول الشاعر:

إذا جلست إلى قوم لتؤنسهم

فلا تعيدن حديثاً أن طبعهمو

بما تحدث من ماضي ومن آت

موكل (بمعاداً المعادات).


فمعاداة بالتاء المدورة أي أصلها الهاء معناها العداوة
والعادات بالتاء الطويلة جمع المعادة التي تعود أو تعاد.
6 - ومنها الجناس المحرف والجناس المصحف.
أ - ما اختلف ركناه في هيئات الحروف الحاصلة من حركاتها وسكناتها نحو: جبة البُرد جُنة البَرد.
البرد الأولى: بضم الباء كساء من صوف والثانية بفتح الباء هو البرد ضد الحر والجنة بضم الجيم هو الساتر والحافظ من البرد.
ب - والمصحف: ما تماثل ركناه وضعاً واختلف نقطا بحيث لو حذف أعجامهما ما اختلف.
كقولهم (غرك عزك فصار قصارى ذلك ذُلُك فأخشن فاحش فعلك فعلّك بهذا تهتدي).
غرك بالغين المنقط والثانية بالعين الخالية
والأولى بالراء الخالية والثانية بالزاء المنقطة.
فصار بالفاء وقصارى بالقاف.
وذلك اسم إشارة بفتح الذال
وذلك بضم الذال واللام من التذليل والتحقير
فأخش فعل أمر في الخشية والهمزة
فاحش أسم فاعل من الفحش وهو الفساد والخراب
فعلك الأولى بكسر الفاء أي عملك
فعلك: بفتح الفاء وتشديد اللام وفتحها مختصر من لعلك اسم تعليل.
ونحو إذا زل العلم زل بزلته العالم.
وقول أبي فراس:

ممن بحر شعرك اغترف

وبفضل علمك اعترف

 

شعرك مخالف علمك بالحر فالأول واغترف مع اعترف بالحرف الثاني.
7 - ومنها الجناس المركب والجناس الملفق
أ - المركب: ما اختلف ركناه افراداً وتركيبا وهو إما يكن.
مرفواً: وهو الاختلاف من كلمة وبعض في الأخرى مثل قول الحريري

ولا تله عن تذكر ذنبك وأبكه

ومثل لعينيك الحمام وقعه

بد مع يضاهي المزن حال (مصابة)

وروعة منقاه ومطعم (صابه).

 

المزن الغيوم ومصابه أي مصبه المطر.
والحمام بكسر الحاء الموت يلزم أن تمثله إمام عينيك دائماً لتعتبر به ويلزم أن تحسس روعته إذا كان نقيا أي مع التقوى حيث بشارة بالنعيم وتحسس طعم الموت بتذكير نفسك إياه كما في قوله تعالى [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ] وصابه: بمعنى إصابته أو انصبابه عليك.
وأما أن يكون مقرونا وهو المركب من كلمتين متفق الخط في الركنين

مثل:

إذا ملك لم يكن (ذاهبه)

فدعه فدولته (ذاهبة).


فالأولى من كلمتين: ذا أي صاحب هبة من الوهب وجمعها هبات
والثانية اسم فاعل من الذهاب أي الخراب والانتهاء.
وأما أن يكون مفروقا: وهو المركب من كلمتين غير متفقتين في الخط في الركنين كقوله:

 

لا تعرضن على الرواة قصيدة

فإذا عرضت الشعر غير مهذب

ما لم تكن بالغت في (تهذيبها)

عدوه منك وساوساً (تهذي بها)


فالتهذيب الأولى أي التربية المهذبة والثانية من الهذيان مع الضمير المجرور (بها)
ب - الجناس الملفق
وهو يكون بتركيب الركنين جميعاً مثل قول الشاعر

وليت الحكم خمساً وهي خمس

فلم تضع الأعادي قدر شأني

لعمري والصبا في العنقوان

ولا قالوا فلان قد رشاني



8 - ومنها جناس القلب وهو ما اختلف فيه اللفظان في ترتيب الحروف.
أ - وهو أما قلب كل مثل:
ب - وأما قلب بعض: مثل: اللهم استر عوراتنا وأمن روعاتنا.
ونحو رحم الله امرأً أمسك ما بين فكيه وأطلق ما بين كفيه.
وإذا وقع أحد المتجانسين في أول البيت والآخر في آخره سمي.
1 - مقلوباً مجنحاً كأنه ذو جناحين كقول الشاعر:

(لاح) أنوار الهدى

من كفه في كل (حال).


2 - وسمي مزدوجا: إذا ولي أحد المتجانسين الآخر.
وهو إما مستوي: بحيث لو عكس حصل بعينه مثل (كل في فلك) (وربك فكبر)
وأما غير مستوي بحيث لو قلب زاد ونقص
مثل (اللحم مع المحل) و (الحلم مع الملح).
الثاني: من المحسنات اللفظية: الجناس المعنوي: ذكروا المعنوي 16 أوجه نذكرها لك تباعا:
1 - الجناس المعنوي:
وهو على قسمين: إضمار وإشارة.
الأول: الإضمار: وهو أن يأتي المتكلم بلفظ فيأتي في ذهنك لفظ آخر مشابه له لفظاً وهو ليس بمعناه بشرط أن يكون في الكلام إشارة ولو بعيدة للآتي في الذهن كقول الشاعر:

الجسم تحكى الماء رقته

وقلبه قسوت يحكى أبا أوسى


يصف الشاعر شخصاً جسمه لطيف رقيق وقلبه قاسي وأشار لقساوة قلبه إلى الحجر وأتخذ اسم أبي أوس بمناسبة أن أوس بن حجر الشاعر الجاهلي المعروف ومعلوم أن ليس حجر اسم الرجل بمعنى الحجر الذي شبه القساوة به وإنما مجرد التوسع تبعا لشرود الذهن
وقد تولع الشعراء بهذه الإشارات في أشعارهم فمن ذلك قول زهير:

 

وجاهل طال به عنائي

أبغض للعين من الأقذاء

فهو إذا رأته عين الرائي

لازمني وذاك شقائي

أثقل من شماتة الأعداء

أبو معاذ أو أخو الخنساء

 

يشير إلى الجبل لأن معاذ بن جبل وأخو الخنساء هو صخر فقصد أنه ثقيل على قلبه كالجبل أو كالصخر.
والثاني: الإشارة: هو ما ذكر فيه أحد الركنين وأشير للآخر بما للآخر بما يدل عليه وذلك إذا لم يساعد الشعر على التصريح به.


يا (حمزة) اسمح بوصل

في ثغرك اسمك أضحى

وامنن علينا بقرب

مصحفا وبقلبي


فقد ذكر الشاعر حمزة وقال أن في ثغرك المصحف من الحمزة وهي الخمرة وفي قلبي مصحفه الأخرة وهي الجمرة.

(1)  سورة الهمزة.

(2)  7- 8 العاديات.

 (3)

 (4)