البحث الثاني: في كيفية إلقاء المتكلم الخبر للمخاطب

أن المتكلم يجب أن يكون كالطبيب يعالج أمراض المقابل فإذا كان المتكلم عاقلاً لبيباً وخبيراً يجب أن يكون بكلامه يقلع الشحناء من قلوب السامعين والعداوة والجهل والضلال وحب الفساد فإن كان بهذه المثابة ورفيع المستوى فليعمل كذلك وإن كان أقل من هذا المستوى فليطلب ذلك من الذين يخاطبهم حتى يجيبوه ويغيرونه بما يريد بعد أن يختار من هو أهل لتعليمه.
وكيف كان: أولاً فليقل خيراً ونفعاً أو يسكت.
وثانياً أن لا يتكلم إلا بقدر الحاجة.
فإنه (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب) وكل زائد عبث وهدر.
وثالثاً: ليعرف قبل التكلم ما هو مقتضى الحال وبأي كيفية ومقدار يجب التصريح.
ورابعاً: أن يعلم استعداد السامع بأن يسمع وليس معرضاً عنه متصامم عما يقول.
وهذه أحوال السامع قد درجوها وسموا كل درجة منها باسم فقالوا:
1 - إن كان المستمع خالي الذهب عن المعرفة ولم يطلب منك إن تخاطبه وتفيده فابتدأت من عندك بألفات نظره
سموا الخبر ابتدائياً وبهذه المرحلة لا يحسن أن تؤكد عليه.
2 - وان كان المستمع متردداً طالباً لمن يعلمه يسمى الخبر (طلبيا) ويحسن أن تؤكد عليه وتزيد في التوضيح والتفصيل حتى تنقله من الجهل والتردد إلى العلم والاقتناع.
3 - أن يكون المخاطب منكراً للخبر معتقداً خلافه ويسمى إنكارياً ويحسن الكلام في هذه المرحلة بمؤكدات عديدة وأساليب شديدة حتى توقفه عن إنكاره أن لم تستطع أقناعه وينقسم التأكيد إلى إثبات شيء وسلبه غيره والإثبات هو الأصل.
وإخراج الكلام على مقتضى هذه الأحوال الثلاثة يقال له إخراج على مقتضى الحال وقد يخالف المتكلم مقتضى الحال فيخاطب المنكر كأنه مقتنع ومؤيد وقد يكون من الأساليب أدوات التوكيد البلاغية المقبول.
وللتوكيد: طرق عديدة.
منها إعادة الجملة مثل قوله تعالى [فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ] .
ومنها إعادة الكلمة من حرف كمثل جواب من يسأل في أي يوم نذهب فيقال له في اليوم في اليوم
أو اسم كجواب من يسأل من تنادي؟ فتقول أنادي محمد محمد أو فعل كقولك للجالس: قم قم من هنا ومنها: التوكيد بالعين والنفس
تقول جاء محمد نفسه أو عينه
ومنها: بالقول أجمع وأخواتها وهي كله أو كلهم أجمعون أكتعون أبصعون، وتؤدي بالمفرد أيضاً فتقول جاء القوم أجمع أو كلا أو أبصع بمعنى أجمع أو أكتع بمعنى الاستيعاب والجمع ومنها كلمة عموماً وإطلاقا ومشتقاتها ومنها: نونا التوكيد. الخفيفة والثقيلة اللاحقة للقول أفعلى يا زيد والله لتفعلن.
ومنها: زيادة الحروف على أصل المطلب بغير التأكيد مثل سألني إذا قلت تسأل مني بتشديد الهمز اشتد السؤال وإذا قلت أتسألني بتشديد النون فهي اشد من أتسألني بدون تشديد وهكذا
ومنها: حروف القسم وحروف القسم ثلاثة التاء والباء والواو والمقسم به كل عظيم والأول الله تعالى وأسمائه وهو جائز ومنع الوهابية من القسم بغير الله وتحريمهم له لا وجه له بل هو من خروقهم وتعسفاتهم نعم في القسر بغير الله لا يوجب كفارة لو حنثه.
ومنها أما الشرطية وإنما للحصر مثل أما لو قلت لغضبت عليَّ وانما قصدت ان إنبهك.
ومنها: كون الجملة الأسمية فأنها أوكد من الفعلية
فقولك يقوم زيد أوكد منه قولك زيد قائم
ومنها: ضمير الفصل أوكد من ضمير الوصل فقولك ضربته أوكد منه ضربت إياه ومنها تقديم المفعول (إياك نعبد وإياك نستعين) إياه أكرمت) فيفيد الاختصاص مع التوكيد
ومنها تقديم الفاعل المعنوي مثل قائم الزيدان: وقام خبر مقدم ومعناه فاعل القيام
ومنها:لام التوكيد:لقد تم إنشاء البيت
ومنها قد إذا دخلت على الفعل الماضي مثل قد أو لقد كما قلنا.
ولكنها إذا دخلت على الفعل المضارع أفادت التقليل وعدم التوكيد مثل:قد يقوم الناس بالمعروف


الرحمن جل جلاله 55 في 29 آية.