الهجـــرة

[حكم -26] من فصول الجهاد الهجرة ومن انواع الاعتداءات التهجير ومن حق هذا الفصل ان يجعل له باب مستقل مثل باب الصلاة والطهارة والصوم والاعتكاف، ولكن الفقهاء رحمهم الله جعلوه من مسائل الجهاد فاتبعناهم.
وقد وصف الإمام زين العابدين(ع) جده أمير المؤمنين(ع) في مجلس يزيد (لعنه الله) في خطبته الجليلة والفاضحة لبني أمية: أنه قال (وهاجر الهجرتين) مع أن أمير المؤمنين(ع) لم يهاجر الى الحبشة ولعله قصد هجرته الى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة الى المدينة.
والثانية من المدينة الى الكوفة حيث استقر بها واتخذها عاصمة لحكمه ليشير للعالم بان الكوفة هي عاصمة اهل البيت من أمير المؤمنين(ع) والى الحجة المهدي(ع) حيث يدير منها دفة حكمه في جميع اطراف المعمورة من بعد لعن الظالمين وإهلاكهم جميعاً قريباً ان شاء الله تعالى.
[حكم -27] امر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض اصحابه للهجرة الى الحبشة مرتين ففي الاولى كانوا أثنى عشر نفراً والثانية كانوا سبعين بقيادة ابن عمه جعفر بن أبي طالب(ع).
حيث لحقهم عمرو بن العاص والوليد بن عتبة ليحرضوا ملك الحبشة على حبسهم وارجاعهم.
ومضمون القضية ان قال عمرو للملك بان محمداً قد أفسد شبابهم وحرض عليهم عبيدهم وسخر من عباداتهم وسفه احلامهم واستصغر كبراءهم ثم أرسل إليك اصحابه ليفسدوا عليك بلادك ورعاياك وما شابه هذا الافتراء مما هم أهله.
فسأل الملك جعفر عن نبيهم فقال ما مضمونه أيها الملك الموقر انا كنا نعبد الاصنام وهي الحجارة ونأكل الميتة ونئد البنات ونشرب الخمور ونعمل بالفجور وننصر القوي على الضعيف ونعتدي على بعضنا ونشيع العداوات بين العشائر والقبائل فجاءنا رسول من انفسنا نعرف نسبه وحسبه، ارسله الله رحمة للعالمين فأمرنا أن نعين الضعيف ونقري الضيف ونحسن الجوار ودعانا لعبادة الله تعالى ونبذ الاصنام، وأن نحفظ الدماء ونبقي على الاولاود والبنات ونعطي لكل حق حقه....
فسأله أهل نزل على نبيكم شيء من الله؟ قال نعم فقرأ عليه من قصة مريم(ع) في سورة مريم [وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًافَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)](1)
وبالجملة فقد سقطت مؤامرة عمرو بن العاص ورجع خائباً وقد حرض صاحبه الوليد للتحرش ببعض نساء الملك فعلم الملك وسجنه ثم عمل شيئا به فجن واطلق مع الوحوش.
ورجع ابن العاص خاسراً في مهمته وغادراً بصاحبه وكذلك كان منافقاً حين دخل الاسلام وصار وزيراً لمعاوية (لعنه الله).
[حكم -28] كانت هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في 16 تموز سنة 622 من ميلاده عيسى(ع) أو 15 تموز، من بعد ان مات ناصراه ابو طالب ولي الله ومؤمن قريش عليه الصلاة والسلام وخديجة اعظم زوجاته وأم المعصومين(ع) واعلن ذلك العام عام الحزن حيث نزل الوحي يأمره بالهجرة (فقد مات ناصراك).
هذا وقد وصلت دعوته الى المدينة المنورة، واراد النبي اللقاء مع اهل المدينة في مكة في موسم الحج.
فاجتمعوا به فواعدهم ليلاً في دار عبد المطلب في العقبة في الليلة الثالثة عشرة من ذي الحجة حيث يتم الموقف بمنى
وحضر من الاوس والخزرج سبعين رجلاً وامرأتان قالوا له اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال أما ما اشترط لربي فان تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً واشترط لنفسي ان تمنعوني مما تمنعون انفسكم وتمنعون أهلي مما تمنعون أهليكم واولادكم؟
فقالوا وما لنا على ذلك؟ فقال الجنة في الأخرة وتملكون العرب ويدين لكم العجم في الدنيا وتكونون ملوكا في الجنة فقالوا قد رضينا).
فقال اخرجوا الي منكم اثنى عشر نقيباً يكونون شهداء عليكم بذلك كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثنى عشر نقيبا.
وقد اشار جبرئيل الى واحد واحد منهم فخرجوا من بينهم وهم 9 من الخزرج سعد بن زرارة والبراء وعبد الله ابو جابر ورافع بن مالك وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وعبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع وعبادة بن الصامت.
ومن الاوس ثلاثة ابو الهيثم بن التيهان من اليمن واسد بن حصين وسعد بن خيثمة.
وعندها صاح ابليس: يا معشر قريش والعرب هذا محمد والصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم فاسمع أهل منى وهاجت قريش فاقبلو بالسلاح.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للانصار تفرقوا قالوا يا رسول الله ان امرتنا ان نميل عليهم باسيافنا فعلنا فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لم أؤمر بذلك ولم يأذن الله لي فقالوا فتخرج معنا؟ قال انتظر امر الله.
فجاءت قريش وخرج لهم حمزة وأمير المؤمنين بالسيوف فقالت قريش لهما ما هذا الذي اجتمعتم له؟ فقال حمزة ما اجتمعنا وما ها هنا أحد والله لا يجوز هذه العقبة أحد الا ضربته بسيفي فرجعوا الى مكة واجتمعوا في دار الندوة.
واجتمعوا أربعين رجلاً وجاءهم إبليس في صورة رجل شيخ كبيرمن اهل نجد.
فقال أبو جهل: يا معشر قريش انه لم يكن أحد من العرب أعزَّ منا نحن أهل الله تفد الينا العرب في السنة مرتين ويكرمونا ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله فكنا نسميه الأمين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته حتى اذا بلغ ما بلغ واكرمناه ادعى انه رسول الله وان اخبار السماء تأتيه فسفه احلامنا وسب الهتنا وأفسد شبابنا وفرق جماعتنا وزعم انه من مات من اسلافنا ففي النار فلم يرد علينا شيء اعظم من هذا وقد رأيت فيه رأياً قالوا ما رأيت؟
قال رأيت ان ندس إليه رجلاً منا ليقتله فان طلبت بنو هاشم بدمه اعطيناهم عشر ديات.
فقال أبليس هذا الرأي خبيث... تعصبت بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة وان بني هاشم لا ترضى ان يمشي قاتل محمد على الارض فيقع بينكم حروب... فقال آخر نثبته في بيته ونلقي اليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير والنابغة وامرئ القيس فقال ابليس هذا أخبث من الآخر.
قالوا وكيف ذلك قال لان بني هاشم لا ترضى بذلك فاذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فاخرجوه.
وقال آخر منهم لا ولكنا نخرجه من بلادنا ونتفرغ نحن لعبادة الهتنا فقال إبليس هذا أخبث من الرأيين المتقدمين.
قالوا وكيف ذاك؟
قال لانكم تعمدون الى اصبح الناس وجهاً وانطق الناس لسانا وافصحهم لهجة فتحملونه الى بوادي العرب فيخدعهم ويسحرهم.
قالوا فما الرأي فيه يا شيخ؟
قال: ما فيه الا رأي واحد قالوا وما هو؟ قال: يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد ويكون معهم من بني هاشم رجل فيأخذون سكينة او حديدة أو سيفاً فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها فلا يستطيع بنو هاشم ان يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه فان سألوكم ان تعطوا الدية فاعطوهم ثلاث ديات فقالوا نعم عشر ديات.
فنزل قوله تعالى: [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ](2)
فلما أمسى جاؤا واجتمعوا حول الدار وارادوا الهجوم فمنعهم ابو لهب وقال لا ادعكم ان تدخلوا عليه بالليل فان في الدار صبياناً ونساءاً ولا نأمن ان تقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة فاذا اصبحنا دخلنا عليه فناموا حول الحجرة وأمر الرسول ان يفرش له وامر علياً بن أبي طالب(ع) قائلاً: (افدني بنفسك قال نعم يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال نم على فراشي والتحف ببردتي) فنام علي والتحف وجاء جبرئيل واخذ بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فاخرجه وهم نيام وهو يقرأ عليهم [وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ](3)
وقال جبرئيل خذ على طريق ثور وهو جبل في رأس منى عند جمرة العقبة صادف ابا بكر في الطريق فاخذه معه لئلا يخبر عليه فدخل الغار.
فلما اصبحوا هجمت قريش على علي(ع) يقدمهم خالد بن الوليد وقد ضارب علياً وقد هاج في وجوههم وقال ما شأنكم؟
قالوا أين محمد قال: وهل جعلتموني عليه رقيبا؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا فقد خرج عنكم فاقبلوا يضاربونه ويقولون انت تخدعنا منذ الليلة وتفرقوا بالجبال ودعوا أبا كرز وهو عارف بآثار المسير وتابع قدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى التقى بأبي بكر فقال ابو كرز وهذه قدم ابن أبي قحافة أو ابيه وتابع حتى وقف على الغار.
ثم قال ما جاوزا هذا المكان أما ان صعدا الى السماء أو دخلوا تحت الارض وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار وعششت الفاخته على باب الغار وجاء فارس من الملائكة وقال لهم ما في الغار أحد فتفرقوا في الشعاب حتى صرفهم عن الغار.
وقد أخذت ابا بكر الرعدة فأخذ يقول له اسكن كما عن الامام الباقر(ع) ((ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اقبل يقول لابي بكر في الغار اسكن وقد أخذته الرعدة وهو لا يسكن فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حاله قال له تريد ان اريك اصحابي من الانصار مجالسهم يتحدثون واريك جعفر أو اصحابه في البحر يغوصون؟ قال نعم فمسح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده على وجهه فنظر الى الانصار يتحدثون ونظر الى جعفر واصحابه في البحر يغوصون فأضمر تلك الساعة انك ساحر)).
وهذه الآية [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ] قرأت (على رسوله) ولكن المشهور (عليه) [وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى] وهي الكملة التي أضمرها أبو بكر [وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا](4) وهي كلمة الله والرسول وهي التوحيد وصدق النبوة وعدم كونه ساحراً.
وكانت صحبة فاضحة له بعدم الايمان،اذ اراد ان يصرخ في الغار فاسكته قائلاً: [لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا]
ومعلوم ان الضمير (عليه) يخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اذ الكلام من أول الآية عنه [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ]
ولو كان على ابي بكر كما يزعمون فيكون التأييد بالجنود ايضا لابي بكر ويكون محمد لا رسالة له بل الارسال لصاحبه.
وبالجملة فقد دلت الآية على عدم ايمان ابي بكر ولو كان مؤمناً ومصدقاً بان الله معهم لشملته السكينة كما شملت السكينة المؤمنين في سورة الفتح [فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ] (5)
فلو رضي الله عنه لشملته السكينة.
وقد هاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول شهر ربيع الاول ووصلها بعد ثلاثة أيام وكان في الغار ثلاثة أيام ثم قضى في بني سليم ستة أيام فكان دخوله مع علي(ع) في يوم 12 ربيع الأول والذي تزعم العامة انه يوم ميلاده (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثم بقي في محلة بني سليم وقد بنى مسجد قبا الذي قال عنه [لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ]
وبقي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى صلى أول صلاة جمعة والمأمومون له مأة نفر.
وألح عليه أبو بكر بالدخول في المدينة وأصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على البقاء حتى يأتي علي ابن أبي طالب(ع) ففارقه ابو بكر ودخل وحده، ولذا لم يذكره محبوه فيمن دخل المدينة مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما دخل معه علي(ع).
[حكم -29] الهجرة لها الاحكام الخمسة وهي أما من بلد الكفر الى بلد الاسلام وأما من بلد الإسلام الى الكفر او الى بلد المخالفين والناصبين العداء لأهل البيت(ع).
1- أما من بلد الكفر الى بلد الاسلام للكيد بالمسلمين والتجسس والتآمر عليهم لصالح الكفرة أو المجرمين المخالفين، فهذا اكبر الكبائر.
2- وأما للراحة في الدنيا ولا علاقة للدين والتدين ونقصانه وزيادته فهذا مباح.
3- وأما التخلص من الفساد وتحصيل العقيدة الصحيحة والتدين فهذا واجب.
4- وأما لزيادة العلم وتحسين حالي الدين والدنيا فهذا مستحب.
5- وأما للانفلات من الجهاد واتعاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الى بلد اسلامي لا يحتاج للأمر والنهي فهذا سفر مكروه وقد يحرم اذا لم يبق من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في بلد المخالفين أو الكافرين.
6- السفر والهجرة من بلد إسلامي الى بلد الكفر أو المعادين لأهل البيت(ع) لتحصيل الحرية في اقامة شعائر الدين واداء الطقوس فهذا مستحب وقد يجب.
فقد ورد عن حماد السمندي قال: ((قلت لابي عبد الله(ع) جعفر بن محمد(ع) اني أدخل بلاد الشرك وان من عندنا يقولون ان مت ثم حشرت معهم قال فقال لي يا حماد اذا كنت ثم تذكر امرنا وتدعو إليه.؟ قال قلت نعم قال فإذا كنت في هذه المدن مدن الاسلام تذكر أمرنا وتدعو إليه؟ قال: قلت لا فقال لي إنك ان مت ثم تحشر أمة وحدك ويسعى نورك بين يديك))(6)
7- للتعرب بعد الهجرة بمعنى انه كان مسلماً مؤمناً عارفاً يسافر الى بلاد الكفر أو بلد المخالفين فيترك التدين أو يترك التشيع ويتجاهل الاحكام ويتجاهل حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واهل بيته ويرجع جاهلاً مخالفا أو منافقا أو كافراً جاحداً، وهذا من كبائر الذنوب وقد ورد فيه آيات واحاديث كثيرة.
مما يشملها حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) والتعرب جاء من قوله تعالى: [الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ](7).
ويعبر عنه (التعرب بعد الهجرة) يعني الاعراض والجهل والتجاهل بعد السفر الى بلد الايمان والمعرفة والشروع بالهداية.
وأما الأحاديث والآيات في الهجرة والسفر فكثيرة بعضها يرتبط بما ذكرنا من الوجوه الموجبة أو المحرمة فمثل الآية: [إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)](8)
هذه واضحة على الجبناء والكسالى يعيشون تحت سلطان جائر وهم قادرون على السفر والهجرة الى اماكن يظهرون بها دينهم ويتحررون من منع العمل باحكامهم وشعاراتهم.
وقد استثنت الاية من هم مستضعفون حقاً وعاجزون عن الهجرة
[فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا](9)
بينما السياحة والسفر محبوبان في الاسلام وقد قال أمير المؤمنين(ع):


تغرب عن الاوطان في طلب العلى

 

وسافر ففي الاسفار خمس فوائد

تفرج هم واكتساب معيشة

 

وعلم واداب وصحبة ماجد(10)


وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((سافروا تصحوا وجاهدوا تغنموا وحجوا تستغنوا))(11)
وقال تعالى: [وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ](12)
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبراً من الارض استوجب الجنة وكان رفيق ابراهيم ونبيه محمد صلى الله عليهما وآلهما). وهذا مما قلنا في رقم 6 أيضاً.
[حكم -30] الهجرة تصدق من مدينة الى أخرى كما تصدق من محلة الى محلة.
وهي تجب كما قلنا في ما اذا كان المؤمن محصوراً محاطاً بالكافرين أو المخالفين لأئمة المسلمين بحيث يعادونه ويمنعونه من اظهار الشعار لأئمة الحق أو اظهار الاسلام الصحيح فما سبق من الايات والروايات تصدق عليه.


(1)مريم /16-26.

(2) الانفال/ 30.

(3) يس 36/9.

(4) التوبة 9/40.

(5) الفتح/26

(6) الوسائل ب36 ح6 جهاد العدو.

(7) التوبة 9/97.

(8) النساء /97-98.

(9) النساء/99

(10)ديوان أمير المؤمنين(ع).

(11) الوسائل آداب السفر ب2 ح1.

(12) الحج 22/58.