الأحكام الإسلامية

23(ق): الأمور الإسلامية على ثلاثة أشياء:

أ) الحكم التكليفي: وهو الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة.

ب) الحكم الوضعي: مثل الصحة والبطلان والطهارة والحدث والنجاسة والوطنية والرشد والسفه والبلوغ والشرطية والمانعية وما إلى ذلك.

ج) الأمور الوضعية: أي الأوضاع التي تنطبق عليها الأحكام من الوطن والتراب والماء والبالغ والسفيه والعاقل والكر والقليل والطاهر والنجس والصحيح والباطل والحائض والنفساء والصائم والمسافر والطواف والكعبة وعرفة والعادل والفاسق وهكذا..

24(ق): الأحكام الإسلامية: إما تعبدية ولها معنيان فهي إما بمعنى ما يجب نية القربة في صحته قربة وتعبداً إلى الله تعالى، وإما بمعنى إن المجتهد لم يتوصل لمعرفة سبب وعلّة الحكم وإنما يحكم ويعمل تعبداً على ما ثبت شرعاً غير مبين العلة كأعداد الصلوات فإن علّتها غير واضحة.

وقبالها التوصلية: وهي إما بمعنى عدم وجوب نية القربة في صحته كتطهير البدن واللباس، وإما بمعنى ما توصل إلى أسباب وعلل الحكم به سلباً أو إثباتاً مثل حرمة الخمر لعلّة الإسكار وحرمة الزنى لضياع الأنساب وفساد الأخلاق والمس بالشرف وهكذا.

 

25(ق): أركان الدين: أحاديث وأحكام:

 

حديث زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة، والحج والصوم والولاية، قال زرارة: فقلت وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل لأنها مفتاحهن والولي هو الدليل عليهن. قلت: ثم الذي يلي ذلك في الفضل؟ فقال: الصلاة. قلت: ثم الذي يليها في الفضل؟ قال: الزكاة لأنه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها. قلت: فالذي يليها في الفضل؟ قال: الحج. قلت: ماذا يتبعه؟ قال: الصوم).

وعن فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها أمام أبي بكر: (فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك والصلاة تنزيهاً عن الكبر والزكاة زيادة في الرزق والصيام تبييناً للإخلاص والحج تشييداً للدين وطاعتنا نظاماً للملة وإمامتنا لما (أماناً) من الفرقة والصبر معونة على الاستيجاب والأمر بالمعروف مصلحة للعامة وبرّ الوالدين وقاية عن السخط وصلة الرحم منماةً للعدد والقصاص حقناً للدماء والوفاء للنذر تعرضاً للمغفرة وتوفية المكائيل والموازين تغيراً للبخسة واجتناب قذف المحصنات حجباً عن اللعنة والصدقة إيجاباً للعفّة وترك أكل مال اليتامى إجارة من الظلم والعدل في الأحكام إيناساً للرعية وحرم الله عزوجل الشرك إخلاصاً للربوبية فاتقوا الله حق تقاته فيما أمركم به وانتهوا عما نهاكم عنه)(37).

26(ق): إن ثبوت الأحكام الشرعية بعضها مسلّم شديد الثبوت حتى يعد الجاحد له خارجاً عن الدين، وذلك ما يسمى بضروريات الدين. وبعضها ليست ثابتة بهذه القوة والمثابة، وكل منهما يكون في العقيدة أي أصول الدين وفي العمل أي فروع الدين. كما يكون في كل الأحكام.

فإنه كما يكون الضروري في الأصول كالاعتقاد بالله وكونه هو الخالق والبارئ المصور المبدع المعيد وبعثه للأنبياء والقيام يوم القيامة كذلك يكون في العمل كوجوب الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والسلب في الأصول كعدم التجسّم لله تعالى وعدم الشريك له.

وكذلك في الفروع بالنسبة لبقية الأحكام كاستحباب صلاة الليل وإباحة الأكل والشرب وكراهة النوم مجنباً وحرمة الزنا والخمر واللواط وما شابه.. فهذه كلها من ضروريات الدين وهناك ما هو من ضروريات المذهب الشيعي كعدل الله وأن ما وافق الشرع وافق العقل وبالعكس وإمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

وما سوى الضروري في الدين أيضاً يكون في الأصول ككيفية الموت والصراط والحساب في القبر والجنة والنار، فإن كيفية هذه الأشياء قد يختلف المؤمنون بها وأما أصل ثبوتها فواجب الإيمان بها، وكذلك غير الضروري في الفروع كالأحكام التي فيها خلاف بين العلماء كوجوب السورة بعد الحمد واستحباب الصعود على الجبل للحاج يوم عرفة وإباحة التدخين وكراهة النوم بغير وضوء ونجاسة عصير الزبيب إن غلا أو نش فإن الإيمان بهذه الأمور وعدمه ليس من ضروريات الدين.

4(ق): حكم الضروري في الأصول والفروع في السلب والإيجاب إن منكره يعد كافراً فيما إذا علم بأنه يلازم إنكاره بتكذيب الرسول والقرآن، وأما إذا لم يعلم ذلك فالحكم بكفره مشكل فالإطلاق الذي ورد في رواية عبد الله بن سنان قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرتكب الكبيرة فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام وأن عذّب كان عذابه كعذاب المشركين؟ أم له مدّة وانقطاع؟ فقال: من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الإسلام وعُذّب أشد العذاب وإن كان معترفاً إنه ذنب ومات عليها أخرجه من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأول)(38).

هذا مقيد بأن إنكاره يستوجب الرد على المعصومين كما في حديث عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام): (في رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث قال: ينظران إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به فإني جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنه استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا كافر وراد على الله، والرد على الله هو على حدّ الشرك بالله)(39).

5(ق): عند الشيعة إن العقل والشرع متوافقان لا يحكم العقل بما يخالف الشرع ولا العكس، نعم الخلاف قائم على أن العقل يحكم أو إنه يدرك ما حكم به الشرع وليس بمستقبل بالحكم.

ولكن جعل الاستقلالية في بعض الروايات يدلّ على إنه يحكم كما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب لي منك ولا أكملنّك إلا فيمن أحب أما أني إياك آمر وإياك أنهى وإياك أعاقب وإياك أثيب)(40).

6(ق): (لا وجوب ولا تحريم إلا بالتكليف وهو بالبلوغ والعقل).

وفي الحديث (أتى عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها فقال علي (عليه السلام): أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ)(41).

7(ق): يشترط العبادات بالنية ففي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا أقول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية ولا قول وعمل ونية إلا بإصابة السنة)(42). وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة)(43).

8(ق): يستحب للشخص أن يقصد بكل أعماله القربة إلى الله تعالى ففي وصية النبي(صلى الله عليه وآله) لأبي ذر: (يا أبا ذكر ليكن لك في كل شيء نية حتى في النوم والأكل)(44).

9(ق): فضيلة نية الخير:

عن أبي بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو عن أبي جعفر (عليه السلام): (إن الله تعالى قال لآدم(عليه السلام): جعلت لك من همّ من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه فإن عملها كتبت عليه سيئة، ومن همّ بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة وإن هو عملها كتبت له عشراً)(45).

وفي خبر لصيقل: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): من صدق لسانه زكى عمله ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن برّه بأهل بيئته زيد في عمره)(46).

10(ق): رذيلة نية السوء:

عن عبد الله بن موسى بن جعفر عن أبيه (عليه السلام) قال: (سألته عن الملكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة؟ فقال: ريح الكنيف والطيب سواء؟! قال: إن العبد إذا أهمّ بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال قم فإنه قد همّ بالحسنة فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها له وإذا أهمّ بالسيئة خرج نفسه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين قف فإنه قد همّ بالسيئة فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها عليه).

11(ق): وجوب الإخلاص في العبادة:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: (طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ولم ينس الله بما تسمع أذناه ولم يحزن صدره بما أعطى غيره).

12(ق): مراحل الإخلاص وأفعاله:

حديث يونس بن ضبيان قال: (قال الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام): إن الناس يعبدون الله عزوجل على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدنه خوفاً من النار فتلك عبادة العبيد وهي الرهبة، ولكني أعبده حباً له عز وجل فتلك عبادة الكرام وهو الأمن لقوله عزوجل: (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ )(47) ولقوله عز وجل: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)(48)، (فمن أحب الله عزوجل أحبه الله ومن أحبه الله تعالى كان من الآمنين)(49).

13(ق): حرمة الوسوسة في العبادة وذمها:

عن عبد الله بن سنان قال: (ذكرت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجلاً مبتل بالوضوء والصلاة وقلت: هو رجل عاقل فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ قلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أي شيء هو فإنه يقول لك من عمل الشيطان)(50).

14(ق): تحريم الرياء:

عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعاً في الدنيا لا يريدون به ما عند ربهم يكون دينهم لا يخالطهم خوف يعمهم الله بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم)(51).

وخبر مسعدة عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام): (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سئل: فيم النجاة غداً؟ فقال: إنما النجاة في أن لا تخادعوا الله فيخدعكم فإنه من يخادع الله يخدعه ويخلع منه الإيمان ونفسه يخدع لو يشعر. قيل له: فكيف يخادع الله؟ قال: يعمل بما أمره الله ثم يريد به غيره، فاتقوا الله في الرياء فإنه الشرك بالله إن المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك وبطل أجرك فلا خلاص لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له)(52).

15(ق): لا بطلان للعبادة بالرياء ما لم تنتف معه النية بالمرة:

إن الروايات دلّت على العقاب بالنار على الرياء فهو من كبائر الذنوب ودلت على عدم قبول الأعمال وعدم القبول أمر والبطلان أمر آخر لا ملازمة بينهما ولعل الحديث الآنف يدل على حصول عمل ولكنه بسبب الرياء يحبط بعد حصوله ويحصل الأجر ولكنه يبطل بالرياء، فإذا حصلت التوبة ولو في آخر العمر بقي العمل وارتفع الإحباط ورجع الأجر ومثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)(53)، فالبطلان للعبادة لم يصرح به في الرياء وإنما هو في الأذى وثانياً إنها في العبادة المستحبة وليس في إسقاط الواجبات عما في الذمة إذ يمكن التفريق ببطلان إحداها وعدم البطلان في اللزومية.

16(ق): من علامات الرياء والنفاق النشاط في الملأ والكسل في الخلوة:

فحديث السكوني عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ثلاث علامات للمرائي: ينشط إذا رأى الناس ويكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في جميع أموره)(54).

17(ق): يكره للشخص أن يمدح نفسه إلا مدافعاً عن نفسه ولا يكره سروره بإطلاع الآخرين على حسناته بدون أن يذكرها هو:

قال تعالى: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)(55)، وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) إنه قال: (الإبقاء على العمل خير من العمل وقال يصل الرحم بصلة وينفق نفقه لله وحده لا شريك له فتكتب له سراً ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ثم يذكرها فتكتب له رياءً)(56).

وخبر زرارة عنه (عليه السلام) قال: (سألته عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك قال: لا بأس...).

18(ق): استحباب تحسين العبادة ليراه آخرون ويقتدون به وربما يجب بوجوب الأمر بالمعروف، وبه ورد خبر ابن أبي يعفور قال أبو عبد الله (عليه السلام): (كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية)(57).

19(ق): أفضلية العبادة في السر عليها في العلانية:

عن محمد الأزدي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال الله عزوجل: إن من أغبط أوليائي عندي عبداً مؤمناً ذا حظ من صلاح أحسن عبادة ربه وعبد الله في السريرة وكان غامضاً في الناس فلم يشر إليه بالأصابع وكان رزقه كفافاً فصبر عليه فعجلت به المنية فقل تراثه وقلت بواكيه)(58).

20 (ق): قاعدة من بلغهُ التي استفاد العلماء منها دليل التسامح في أدلة السنن؛ أي إن كان عمل غير لزومي أي ليس بحرام ولا واجب قد ورد كراهته أو استحبابه أو إباحته يمكن ثبوته بعنوانه بخبر ضعيف كما في هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام): (من بلغه عن النبي(صلى الله عليه وآله) شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله لم يقله).

21(ق): كثرة ثواب التفرغ للعبادة وحبها.

خبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (في التوراة مكتوب يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنىً ولا أحملك إلى طلبك وعليّ أن أسد فاقتك وأملأ قلبك خوفاً مني وإن لم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك شغلاً بالدنيا ثم لا أسد فاقتك وأحملك إلى طلبك)(59).

وعن أبي جعفر (عليه السلام): (كفى بالموت موعظة وكفى باليقين غنى وكفى بالعبادة شغلاً)(60).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): (إياك والسفلة فإنما شيعة علي (عليه السلام) من عفّ بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر (عليه السلام) )(61).

22(ق): استحباب المواظبة على العبادة:

عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): (أحب الأعمال إلى الله عزوجل ما دام العبد عليه وإن قل)(62).

23(ق): استحباب الاعتراف بالتقصير في العبادة وحرمة الإعجاب بالنفس.

فحديث أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (قال الله عزوجل: لا يتكل العاملون لي على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي في كرامتي والنعيم في جناتي ورفيع الدرجات العلى في جواري ولكن برحمتي فليتقوا وفضلي فليرجوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا)(63).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله)(64). وعن علي بن الحسين (عليه السلام): (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث مهلكات: شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه).

24(ق): الاقتصار على الواجبات عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (مر بي أبي وأنا بالطواف وأنا حدث وقد اجتهدت في العبادة فرآني وأنا أتصبب عرقاً، فقال لي: يا جعفر يا بني إن الله إذا أحب عبداً أدخله الجنة ورضي عنه باليسير)(65).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضاً: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك إن المنبت - يعني المتسرع المتهور - لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرماً واحذر حذر من يتخوف أن يموت غداً)(66).

25(ق): استحباب تعجيل فعل الخير:

قال الله تعالى: (سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)(67). (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللهُ جَمِيعاً)(68).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله): (يا أبا ذر اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك)، وقوله (صلى الله عليه وآله): (خير البر عاجله).

وعن الحسن بن علي عن أبيه (عليهما السلام) قال: (إذا عرض لك شئ من أمر الآخرة فابدأ به وإذا عرض لك شيء من الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك)(69).

26(ق): لا يستقل شيء من العبادة:

عن أبي جعفر عن آبائه عن علي(عليهم السلام): (إن الله أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته فلا تستصغرن شيئاً من طاعته فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم وأخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبداً من عبيد الله فربما يكون وليه وأنت لا تعلم....).

27(ق): معنى عدم القبول والولاية:

ورد في عدّة من الأحاديث أنه لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، أو إن المرأة التي تبيت وزوجها غاضب عليها فلا يقبل الله لها صرفاً ولا عدلاً أي لا صلاة ولا صيام، فعدم القبول ليس معناه عدم الصحة بل خفة وقلّة الثواب وذلك للمعصية المصاحبة لتلك العبادة، ومن هذا القبيل ما في تفسير القمي  عن أبي جعفر (عليه السلام) قوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)(70) قال: (ألا ترى كيف اشترط ولن تنفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتى اهتدى؟ والله لو جهد أن يعمل ما قُبل منه حتى يهتدي، قال: قلت إلى مَن جعلني الله فداك؟ قال: (لنا))(71). وعليه فمن لم يعتقد بإمامه الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام) يدخل جهنم مع المنكرين لولاية الحق وأهل الحق (عليهم السلام) ولا تنفعه عبادته.

28(ق): ومن ذلك ما روى محمد بن مسلم قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول كل من دان الله عزوجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله).

وعليه لو كان الشخص معادياً ظالماً لأهل البيت وشيعتهم فهو كافر وليس بمسلم حتى تصح أعماله كما في تتمة الحديث المذكور قال: (إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق واعلم يا محمد إن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا فأعمالهم التي يعملونها (كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ)(72))(73).

29(ق): من كان مؤمناً ثم كفر ثم آمن لم يبطل عمله في إيمانه الأول كما في خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (من كان مؤمناً فحج وعمل في إيمانه ثم أصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب وآمن قال: يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه ولا يبطل منه شيء)(74).

30(ق): لا يجب على المخالف إعادة أعماله لو استبصر، وكان قد عملها بحسب معتقده أو بحسب معتقد الشيعة كما في خبر بريد عن أبي عبد الله (عليه السلام): (كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها لأنها لأهل الولاية وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء)(75).

قانون التقية:

31(ق): 1- التقية قد تكون واجبة كما إذا توقف عليها حفظ الدين والشرف والدماء وغير ذلك ولذا قيل في الحديث: (من لا تقية له لا دين له)، (التقية ديني ودين آبائي) عن الصادق(عليه السلام).

وذكرت في القرآن الكريم: (لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)(76).

ووردت في قصة عمار حين أمر بسبِّ الرسول (صلى الله عليه وآله) ففعل حتى تخلص منهم ثم جاء للنبي يبكي فقال له: (إن عادوا فعد) ثم نزل قوله تعالى: (إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)(77).

2- وقد تكون محرّمة كما لو أن أمر الظالم شخصاً بقتل شخص فلا يجوز أن يقتله حتى لو هدده الظالم بقتله إن لم يقتل. وبذلك ورد: (لا تقية بالدماء).

3- وقد تكون راجحة كما في شخصين قدما إلى مسيلمة الكذاب وهما رسولان للنبي محمد(صلى الله عليه وآله) فطلب منهما الاعتراف بأنه نبي فأقرّ أحدهما وسلِم وأنكر الآخر فقتله مسيلمة وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (أما أحدهما فهو فقيه نجا بنفسه وأما الآخر فقد تعجّل بروحه إلى الجنة)، يظهر من مدحه بالفقه أن اختياره أرجح أي أفضل.

4- وقد تكون التقية مرجوحة مكروهة شرعاً كما إذا أعطى بسبب خوفه المتزايد عن حدّه اللازم بعض ما يوجب ذلّه أمام العدو.

5- وقد يتساوى جانبا فعلها وتركها؛ فتكون مباحة كما إذا كان العدو مذلاً للمؤمن سواء تستّر على شيء تقية أم أظهر.

6- وأخيراً إنما شرّعت التقية لحفظ الدماء والأعراض والأموال والمقدسات وتطبيقها بحاجة إلى دقة وتحقيق قد لا يحسنها من يبتلى بالظالمين فعليه بالسؤال والتحقيق لئلاّ يغرر بنفسه ويتهوّر أو يجبن ويذل نفسه ومقدساته والمؤمنين أكثر من القرار الشرعي والله ولي التوفيق.