فصل صلاة الجمعة:

 

حكم- لا ريب في وجوب صلاة الجمعة بالجملة مع اجتماع الشرائط ولكن الكلام في وجوبها في عصر الغيبة ففيها اقوال:
الاول: انها واجبة عيناً كما عن الشهيد واتباعه وتلاميذه كالمجلسيين والنراقي واكثر الاخباريين.
الثاني: انها مخيرة بين الظهر وبين الجمعة.
الثالث: انها مخيرة مع الفقيه والا فهي حرام.
الرابع: انها جائزة مع الفقيه ومع عدم امكانه فمع غيره.
الخامس: التردد والتوقف.
السادس: انها محرمة كما عن المفيد والسيد والشيخ والعلامة والحلي وابن حمزة والفاضل الهندي, ومن هذه الاقوال تتفرع اقوال اخرى وهي:

 

أ - افضلية الترك.

ب - افضلية الفعل.

ج - احتياط الترك وجوباً.

د - احتياط الفعل وجوباً.

 

السابع: قولي وهو اختلافها باختلاف الاحوال فاقول:
حكم- ان من رحمة الله تعالى بنا نحن الشيعة ورأفته ان اعطانا الحرية في اقامة صلاة الجمعة فاشترطنا بوجوبها العيني حضور الامام المعصوم (ع) وتمكنه من السلطة والحكم والا فلا يجب على الامام (ع) المحجور عن الحكم كما نقرأ في احوال الائمة (ع) ولا يجب على غيره ما لم يتسلط ويتمكن من ادارة البلاد وسياسة العباد كما نقرأ في احوال الرواة حول المعصومين (ع) انهم لم يقيموها الا شذوذاً ووجه قولي بان هذا من الرحمة والرأفة هو العلم بتسلط الظالمين والمجرمين من سفاكي الدماء والجبابرة على هذه الامة فاذا وجبت الجمعة عيناً وفيها الخطبتان والسلطان لا يقبل من عدم ذكره والدعاء له, وعليه فاما ان نكون من النافقين مثل علماء العامة انهم يدعون للسلطان سواء احبوه او كرهوه ويتملقون له ويداهنون في دينهم من أجله ويفسدون شعوبهم برطبهم بالجبابرة والمفسدين, واما ان نتهور بالمخالفة والصراحة فلا نذكر السلاطين فيستأصلنا عن بكرة ابينا ونخوض بدمائنا واعراضنا واموالنا بل وينتهي وجودنا من جميع ارجاء المعمورة وتبقى البلدان الاسلامية وغير الاسلامية لاتباع السلاطين والمبتدعين والمحرفين وفي هذا التهور واي تهور حيث نجني على انفسنا ونظلم أئمتنا ونحقق كلمتنا كلمة الحق, واما مع عدم الوجوب العيني فانا نصلي الظهرين في يوم الجمعة فان شئنا خطبنا وان شئنا سكتنا, وان خطبنا فلا يلاحقونا المتسلطون لانهم يعرفون بانها ليست خطبة جمعة حيث يفهمون وجوب ذكر السلطان فيهما حسب ما اوصى شياطينهم الى اسماعهم القذرة من علمائهم السفلة واللعناء لعنة الله عليهم جميعاً.
حكم- خلاصة ما نرى في حكم صلاة الجمعة:
أولاً: وجوبها مع وجود الامام وتمكنه كما قلنا.
ثانياً: عدم وجوبها في زمن الغيبة وعند عدم تمكن الامام المعصوم صلوات الله عليه.
ثالثاً: اذا تسلط الظالم واشترط ذكره وتشجيع حكمه تحريم اقامة صلاة الجمعة يقيناً.
رابعاً: اذا حصل للشيعة الحرية وتمكنوا من اقامتها ووجد أئمة أتقياء ومتكلمون ومؤثرون في المجتمع وكانت صلاة الجمعة مهمة في التبليغ فقد تشتد فضيلتها بل اذا توقف التبليغ عليها فانها واجبة.
خامساً: في الاحوال الطبيعية من كل جهة انها راجحة ومستحبة فانها مسرة للقلوب وموجبة لاتحاد المسلمين والتعارف بينهم وهي مظهر لجعل يوم الجمعة عيداً سعيداً للمسلمين.
حكم- استدلوا على وجوب صلاة الجمعة مطلقاً بادلة لو جمعت بينها رأيت العيني عند كمال الشروط وهي الحضور للامام وحكمه في الامة لا مطلقاً ومن الادلة هذه:

 

1 - [إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ9](1) هذا امر شرعي والامر يدل على الوجوب وفيه: أولاً: ان الامر الشرعي للوجوب اذا لم يأتي مقيد له وصارف له الى الاستحباب او مسقط له بسبب شروط وقيود, ثانياً: ان هذه الآية اذا نودي الى صلاة الجمعة وانما ندبت المسلمين الى الاهتمام بالعبادات في يوم الجمعة وجعله يوماً مميزاً بحيث ينشغل المؤمن فيه بالتنظيف والعبادات واقامة الفريضة وهي اما الظهر واما الجمعة حسب ما تعينها الادلة الاخرى كما في كل احكام الدين انها تتم بالجمع بين الادلة المقيدة والشروط المشروطة فهذه الآية شأنها شأن آيات اخرى بصدد الامر بالصلاة والاهتمام بها مثل: [حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى238](2) ان الصلاة الوسطى اختلف فيها ولكن عند اهل البيت (ع) هي صلاة الظهر وقد صادف نزول الآية في يوم الجمعة ولم يقل احد من المسلمين انها تعني صلاة الجمعة بالذات واستدل على عدم الوجوب العيني:

  1. بالاصل وهو البراءة حتى نعلم بالوجوب.
  2. السيرة على الالتزام بها من اكثر العلماء والناس.
  3. لم ينقل المواظبة عليها من احد المعصومين (ع) سوى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث هدد المنافقين باحراق بيوتهم عليهم اذا لم يحضروا الجماعة وخصوصاً الجمعة, وامير المؤمنين (ع) في فترة حكمه, ولو كانت واجبة عيناً لاشتهر في العالم ولا معنى لوجوبها مع عدم اداء الاولياء وعظماء الاصحاب.
  4. قد عين الرسول ائمة وكذلك من بعده قد خصصوا ايمه ولو كانت فرض عين لما صح تعيين اشخاص معينين لاقامتها فتامل.
  5. الاخبار والجمع بينها يدل على عدم الوجوب العيني:

أ - صحيح محمد بن مسلم قال سألت ابا عبد الله (ع) عن الجمعة؟ فقال (ع) تجب على كل منها على رأس فرسخين فان زاد على ذلك فليس عليه شيء(3).

ب - صحيح الفضل قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: اذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة اربع ركعات فان كان لهم من يخطب لهم جمعوا اذا كانوا خمسة نفر وانما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين(4).

ج - موثق ابن بكير قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن قوم في قرية ليس لهم من يجمع بهم ايصلون الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ قال: (نعم اذا لم يخافوا)(5), فالفضل صرح بانه ليس كل المسلمين يصلون جمعة وانما اذا وجد من يعرف الخطبة وكانوا خمسة او اكثر, وبكير صرح بان القضية مبنية على عدم الخوف فالمسألة متجاوزة الدين الطبيعي والحقيقة الشرعية.

د - وقال (ع): (لا جمعة الا في مصر تقام فيه الحدود)(6) واي الحدود تقام في دول طاردت الصالحين وقتلتهم شر قتلة وسلطت المغنين والراقصين والراقصات والخمر والفجور والاف الجواري والبلاد تعج بالمفسدين والخمارين وموائد الخمر والقمار في بلاط ملوك التكفير والحكم البوليسي القاهر وبمشاورة شيوخ الكذب والدجل والابتداع والتحريف والقرآن لعبة بايديهم يفسرونه حسب هواهم والحديث النبوي يطمسون منه ما شاؤوا ويظهرون ما ارادوا ويفسرونه حسب اهوائهم ومصالحهم شرطية ابتسامة جلالة الملك من اول شروط الدرس الديني ولو كان برضائه تسفك الدماء وتهتك الاعراض ويحرق الحدث والنسل وتباح الحرمات.

هـ - وموثق سماعة قال سألت ابا عبد الله (ع) عن الصلاة يوم الجمعة؟ فقال: (اما مع الامام فركعتان واما لمن صلى وحده فهي اربع ركعات وان صلوا جماعة)(7).

و - وللامام (ع) ان يرخص بترك الجمعة حتى في عهد سلطانه اذا جمعت مع صلاة العيد كما في خبر الحلبي انه سأل ابا عبد الله (ع) عن الفطر والاضحى اذا اجتمعا في يوم الجمعة؟ فقال (ع): (اجتمعا في زمن علي (ع) فقال من شاء ان يأتي الى الجمعة فليأت ومن قعد فلا يضره وليصل الظهر)(8).

ز - وهنا يصرح بان الجمعة من مناصب الامامة الكبرى, قال (ع): (لنا الخمس ولنا الانفال ولنا الجمعة ولنا صفو المال)(9) وهذا الحديث مستفيض معنى في احاديث الحقوق الشرعية, واستدل القائلون بوجوب صلاة الجمعة عيناً بادلة اولها: آية الجمعة وعرفت حالها ونرجع المحاسبة نداء الجمعة من الذي ينصب لنداء الناس لصلاة الجمعة فان كان أي موذن عادي فلماذا لم يقل (اذا اذن لصلاة الجمعة فاسعوا...) كما في كل صلاة مع اتفاق فتوى جماعة من علماء السنة بشرطية حضور السلطان أو اذنه وليس هذا الشرط اختص به الشيعة, فشرط المنادي انه من قبل الامام (ع) وليس منادي يستجيبه الناس لمثل هذه الصلاة.

ثانيها بعض الاخبار الشريفة:

 

أ - عن ابي جعفر (ع) قال: (الجمعة واجبة على من ان صلى الغداة في اهله ادرك الجمعة)(10), ورد بانها تدل على اصل الوجوب ولم تتعرض الى انه تخيري او تعييني.

ب - ما دل على الاستحباب كصحيح زرارة قال: (حثنا ابو عبد الله (ع) على صلاة الجمعة حتى ظننت انه يريد ان ناتيه فقلت نغدوا عليك؟. فقال: (لا انما عنيت عندكم)(11) قلت ان حثنا ظاهر بالاستحباب, وثانياً: لماذا لم يعقدها الامام نفسه ويغدوا المؤمنون عليه؟. مع ظهور الخبر على ان زرارة عظيم الفقهاء والرواة لم يصلها حتى حثه .

ج - وقول ابي جعفر (ع) في موثق عبد الملك: (مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله) قال: قلت كيف أصنع؟ قال: (صلوا جماعة) يعني صلاة الجمعة(12) ومعلوم ان عبد الملك ليس من العصاة وانما هو من عظيمي المصلين ومن جيدي الرواة.

د - قد يقال ان الحديث القائل: اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم(13) يدل على وجوبها حال الغيبة من حيث حجية العلماء من قبل الامام (ع) ورد: الاذن في اقامتها واقامة الحدود ملازم لبسط اليد عرفاً ومع عدمه في الاذن مكيف بالمأذون فلا وجه للوجوب العيني اصلاً ونواصل الاحاديث.

هـ - صحيح ابي بصير عن ابي جعفر (ع) قال: (من ترك الجمعة ثلاث جمعات متواليات طبع على قلبه), وفيه يعن في النظر ان هذا الحديث من قبيل (انا خالقت بينهم لئلا يعرفوا فيؤخذوا وكيف لا يقول الامام (ع) بمثل هذا الكلام وجماعته هم المنذرون عنها وهم الهاجرون للسلطان وحاشيته والمهجورون من قبلهم.

و - وعن ابي عبد الله (ع): والجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها الا خمسة, المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي, ونحن لا نخالف بالوجوب وانما نخالف بتعيينها في جميع احوال المسلمين.

ز - وعنه (ص): (ان الله فرض عليكم الجمعة فمن تركها في حياتي او بعد موتي استخفافاً بها او جحوداً لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في امره الا ولا صلاة له الا ولا زكاة له الا ولا صبح له ولا صوم له الا ولا وتر له حتى يتوب), وهذا الحديث نص بالمرتدين والجاحدين

ح - والمستخفين بعبادات الاسلام ولا يشمل الصالحين المقدسين للعبادات والمتبعين لشروطها والعاملين بها بقيودها.


(1)سورة الجمعة 62/9.

(2)سورة البقرة 2/238.

(3)الوسائل ب4 ح6 جمعة.

(4)الوسائل 3/2 و3 جمعة.

(5)الوسائل 13/1 جمعة.

(6)الوسائل 3/2 و3 جمعة.

(7)الوسائل 6/8 جمعة.

(8)الوسائل 25/1 جمعة.

(9)المهذب 9/86 عن رسالة ابن عصفور.

(10)الوسائل ب4 ح1 جمعة.

(11)الوسائل 5/1 و2 جمعة.

(12)الوسائل 11/9 صفات القاضي.

(13)الوسائل 11/9 صفات القاضي.