فصل بقية أحكام صلاة المسافر:

حكم- كما تسقط ركعتان في السفر من الفريضة الرباعية كذلك تسقط نافلة الظهر والعصر المرتبة النهارية ولا تسقط غيرها من النوافل والمستحبات ولا تسقط نافلة العشاء وهي الوتيرة كما في الخبر عن الفضل عن الرضا (ع) انما صارت العتمة مقصورة وليس تترك ركعتاها لان الركعتين ليستا من الخمسين وانما هي زيادة في الخمسين تطوعاً ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع(1) ومعناها انه في الحضر ترى ان النوافل ضعف الفرائض فالفرائض 17 ركعة والنوافل 34 وهي الظهر 8 + العصر 8 + المغرب 4 + العشاء اثنتان تعدان بواحدة + الليل 11 + الفجر 2 = 34.
فلولا استحباب الوتيرة من جلوس لعدها واحدة لما صارت النوافل ضعف الفرائض وجمعتا في 51 ركعة.
حكم- اذا دخل الوقت وهو حاضر وسافر ولم يصل يجوز له الاتيان بنوافل الظهرين مع تقصير فريضة الظهرين كما في موثق عمار عن ابي عبد الله (ع) عن الرجل اذا زالت الشمس وهو في منزله ثم خرج في السفر؟ فقال (ع): (يبدأ بالزوال فيصليها ثم يصلي الاولى بتقصير ركعتين لانه خرج من منزله قبل ان

تحضر الاولى),وسئل فان خرج بعدما حضرت الاولى؟ قال: يصلي الاولى اربع ركعات ثم يصلي بعد النوافل ثمانية ركعات لانه خرج من نزله بعدما حضرت الاولى فاذا حضرت العصر صلى العصر بتقصير وهي ركعتان لانه خرج في السفر قبل ان تحضر العصر(2), والجملة الاولى يبدأ بالزوال يعني نافلة الظهر (ثم يصلي الاولى) اي الظهر (بتقصير) هذه محكمة واضحة ويمكن الاخذ بها واما بقية الرواية حيث فرق بين حضور وقت الظهر وبين العصر فهذا ينافي قوله (ع) في حديث آخر (اذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الا ان هذه قبل هذه)(3) وهذه الرواية اوفق بالمذهب الحق ثم فرضه صلاة الظهر بالسفر اربعاً اذا خرج ظهر بعد مقدار ما يؤدي الظهر! وهذا خلاف كل احاديث السفر ولا يقول به أحد بل ان الجملة الاولى التي قبلناها عندي فيها تأمل او اشكال لانها ايضاً تعارض الحديث المعلل والصريح عن الجناط قال سألت ابا عبد الله (ع) عن صلاته النافلة بالنهار في السفر فقال: (يا بني لو صلحت النافلة في السفر لتمت الفريضة)(4), فكيف جازت النافلة مع تقصير الفريضة؟ وعلى كل حال ان امر الاستحباب المستند على حالة مخصوصة سهل ويمكن الالتزام به لادلة من بلغه والحكم الاتي وهو عكس هذا الحكم ويقرب من تقرير مقبولة لهذا الحديث (موثق عمار).
حكم- اذا دخل الوقت وهو مسافر وعلم بعدم استطاعته من اقامة الفريضة الا بعد وصول الوطن كما اذا كان راكب السيارة او الطائرة فهو يستطيع اداء النافلة ولا يستطيع اداء الفريضة فلا يعيد حينئذ جواز اداء نافلة الظهر او الظهر والعصر من حيث العلم بانه بوصوله البلد قبل نهاية الوقت فيؤدي نافلة الظهر ويترك الفرض حيث يدخل ويصليها اربعاً, واذا زاد الوقت في السفر يصلي نافلة العصر ايضاً بتقديمها على فريضة الظهرين وهذا جائز كما قلنا في بحث اعداد النوافل وهذا ما يشبه تقرير موقف عمار ولكنه في الخروج وهذا في الدخول.
حكم- اذا صلى المسافر بعد تحقق شرائط القصر تماماً فهذا على اقسام:

  1. عالم عامد للمخالفة غير مقهور ولا مكره عليها.
  2. عالم عامد للمخالفة اكراهاً وجبراً كالتقية ونحوها.
  3. بالموضوع جاهل بالحكم.
  4. بالحكم جاهل بالموضوع.
  5. جاهل بالحكم وبالموضوع.
  6. ناسي الموضوع عالم بالحكم.
  7. ناسي الحكم عالم بالموضوع.
  8. ساهي الحكم والموضوع.
  9. ساهي (غافل) الحكم وعالم بالموضوع.
  10. ساهي الموضوع عالم بالحكم.
  11. ساهي الاثنين.
  12. متردد شاك بالحكم عالم بالموضوع.
  13. متردد بالموضوع عالم بالحكم.
  14. متردد بالاثنين.

وحكم هذه الاقسام يتم على وجوه:
اولا: اذا كانت بالعلم والعمد والاختيار فلا كلام ولا اشكال بوجوب الاعادة في الوقت والا فالقضاء معلوم انه في غير الاماكن الخمسة التي يخير فيها المسافر بين القصر والتمام.
ثانياً: اذا كانت المخالفة للتقية الحقيقية والخوف الذي لا يمكن ان يخالفه تصحيح الصلاة وعدم الاعادة ولا القضاء.
ثالثاً: مسألة العالم والجاهل.
حكم- نجمع بين صحيح زرارة وصحيح العيص فزرارة يقول: قلنا لابي جعفر (ع) رجل صلى في السفر اربعاً ايعيد ام لا؟ قال: (ان كان قرأت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى اربعاً اعاد وان لم تكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه)(5), والعيص يقول عن ابي عبد الله (ع) عن رجل صلى وهو مسافر فاتم الصلاة؟ قال (ع): (ان كان في وقت فليعد وان كان في وقت قد مضى فلا)(6), فصحيح زرارة ومحمد فصل بين العالم والجاهل والعيص فصل بين الوقت وخارجه فبينهما عموم وخصوص من وجه فاتفق على ان العالم بالوقت يعيد وعلى ان الجاهل في خارج الوقت لا يعيد, وافترقا في الجاهل في داخل الوقت فزرارة يقول لا يعيد وفي العالم في خارج الوقت فالعيص يقول يعيد فالجاهل في خارج الوقت لا يعيد وداخل الوقت يعيد والمشهور العدم فالى حد الآن وضح احكام ثمانية من المكلفين لان الناسي هو نفس الجاهل.
حكم- المشهور اعفو الجاهل باصل الحكم يعني بان المسافر يقصر مطلقاً يعني اعفوه من الاداء والقضاء فعفي افراد كثيرة بهذا اي الجاهل بالحكم وهو شامل جاهل الموضوع وعالم به ومتردد فيه وناسي الموضوع والدليل مطلق وهذا هو الاقرب اذ اطلاق زرارة ومحمد محكم للجاهل حتى في داخل الوقت فوضح حكم 13 و14.
حكم- اما اذا كان عالماً باصل الحكم اي ان المسافر يقصر ولكنه اتم لجهله ببعض الخصوصيات وهي على قسمين, قسم ما اتفق عليه رواية وفتوى مثل ان المسافة الملفقة مع عدم الاقامة يوجب القصر وان مقدار السفر ثمانية فراسخ او ان كثير السفر لا يقصر فاتم الصلاة خطئاً او كثير السفر  اذا قطع الكثرة باقامة عشرة ايام انه يقصر او ان العاصي بالسفر يتم فقصر جهلاً او ان العاصي اذا تاب يقصر فاتم, هذا كله يظهر لبعض الفقهاء مشمول لحديث العيص وهو ان يعيد في الوقت ولا يقضي خارج الوقت وهذا هو الاقرب خلافاً لصاحب العروة حيث اوجب القضاء أيضاً.
حكم- الجاهل يشمل ما اذا علم بالتقصير ولم يعلم بالتخصيص فقصر في موضع يجب عليه الاتمام كما في الحديث لاسحاق قال سألت ابا الحسن (ع) عن امرأة كانت معنا في السفر وكانت تصلي المغرب ركعتين ذاهبة وجائية؟ قال: (ليس عليها قضاء)(7), ونحن وان لم نلتزم بهذا الحديث بالذات وندع علمه الى اهله لان المغرب لا يقبل الجهل بها الا من قاصر العقل والهبل ولكن هذا دليل على اصل المطلب, وخبر منصور عن ابي عبد الله (ع) قال سمعته يقول: (اذا اتيت بلدة فازمعت المقام عشرة ايام فاتم الصلاة فان تركه رجل جاهلاً فليس عليه اعادة)(8), ومعلوم انه يقول لوترك التمام وصلى قصراً لعدم معرفته باحكام الاقامة انه ليس عليه اعادة فلاحظ جيداً.
حكم- لو حصلت مسألة اختلف فيها العلماء وصلى شخص باحد الوجوه ثم انتبه فان وافق عمله احدى فتاوى الشيعة المشهورة جاز ان يكتفي بها ولا يشترط ان يكون مقلداً للقائل بذلك قبل ذلك كما مر توضيح هذه المسألة في باب التقليد.
حكم- اذا كان ناسياً لسفره او ان هذا السفر يوجب القصر وجب الاعادة دون القضاء لخبر ابي بصير عن ابي عبد الله (ع): عن الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات؟ قال: (ان ذكر في ذلك اليوم فليعد وان لم يذكر حتى مضى ذلك اليوم فلا اعادة عليه)(9).
حكم- المتردد في الموضوع او في الحكم وصلى مخالفاً للشرع ان كان تردده شديداً وتيسر له السؤال ولم يسأل استخفافاً بالاحكام فالاقرب انه بحساب المتعمد للمخالفة يعيد بالوقت واذا لم يفعل يقضي خارجه وبهذا انتهى حكم جميع الفروع المفروضة للعمل المخالف وكل الوجوه المحتملة.
حكم- اذا كان جاهلاً بالحكم ولم يصل بالوقت لسبب مقبول او لغير سبب واراد خرج الوقت ان يقضي بعدما عرف ان عليه التقصير فعليه القصر حسب ما علم وان كان لو صلى في الوقت تماماً كان معفواً عنه بسبب جهله.
حكم- اذا تذكر الناسي او الجاهل الذي يريد الصلاة تماماً فعلم في اثناء الصلاة فان كان العلم قبل ركوع الثالثة جلس وتشهد وصحت له قصراً وان ركع الثالثة فالاحوط ان لم يكن اقوى ان يعدل بها لصلاة قضاء عن ذمته او ذمة غيره ثم القيام لصلاة القصر لانه فرضه واما تصحيح الصلاة تماماً منه لو اكمل مع العلم بالمخالفة فمشكل جداً لانه مثل الذي يشك بالوضوء وهو قائم يصلي.
حكم- المقيم الجاهل بان حكم الاقامة التمام فنوى القصر ولكنه اتم الصلاة سهواً وغفلة ثم علم بان حكمه التمام صحت منه, وكذا لو علم بالاثناء بان حكمه التمام فاتم, واما اشتراط الصحة بما اذا كان نوى القصر لخطئ بالتطبيق وليس بالتقييد كما كرره في العروة ولم يعلق عليه المعلقون فشرط تبرعي لا اشارة له في الاحاديث, ويمكن ان يمثل له اذا ضاجع رجل امرأة لعلمه انها زوجته وحلف بالقرآن بانه يريد ويقصد هذه الزوجة دون كل النساء بالعالم ثم علم بانها اجنبية عنه وليست زوجته فهل تقييد يغير احكام الزنا وعدم العقد الى معقودة ومحللة؟!
حكم- اذا دخل عليه الوقت وهو حاضر ولكنه لم يصل وسافر وجب عليه القصر اذا كان السفر قبل انتهاء الوقت, واذا دخل عليه الوقت وهو مسافر ولم يصل حتى دخل منزله وجب عليه التمام اذا دخل قبل خروج الوقت, وفي ذلك الاحاديث المعتمدة مثل صحيح اسماعيل قلت لابي عبد الله (ع) يدخل علي وقت الصلاة وانا في السفر فلا اصلي حتى ادخل اهلي فقال (ع): (صلِ واتم الصلاة) قلت فدخل عليّ وقت الصلاة وانا في اهلي أريد السفر فلا اصلي حتى أخرج, فقال (ع): (فصلِ وقصر فان لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)).
حكم- يمكن الفرق بين الاداء والقضاء فيمن اختلف حاله في الحضر والسفر فصحيح اسماعيل الآنف الذكر عملنا به في اداء الصلاة قبل فواتها وهو محكم وعليه العمل ولا نقبل طرحه لان الامام (ع) يقسم بالله بانه هو الواجب الشرعي ومعه صحاح كثيرة ومنها موثق ابن عمار الذي اشكلوا بعض عباراته(10), واما فيما اذا فاتت الصلاة واراد ان يقضيها فالطائفة الاولى تقول ان المناط بوقت اداء الصلاة فاذا فاتت في السفر فحال ادائها القصر, واذا فاتت في الحضر فتمام وصحيح اسماعيل ونصوص اخرى تكفلت بذلك واعتمدها العلماء وطائفة اخرى تقول المناط بوقت الوجوب ولكنها لا تصرح ان المكلف يصليها بوقتها او بعدما اصبحت قضاء كصحيح محمد قال:  سألت ابا عبد الله (ع) عن الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق, فقال (ع): (يصلي ركعتين وان خرج الى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل اربعاً)(11), وصحيحه الآخر عنه (ع): عن رجل يدخل مكة من سفره وقد دخل وقت الصلاة, فقال (ع): (يصلي ركعتين فان خرج الى سفر وقد دخل وقت الصلاة فليصل اربعاً)(12), وليس فيهما تصريح بان وقت اتيان المكلف في الوقت او بعده, واما خبر موسى فقد صرح عن القضاء عن ابي جعفر (ع)عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فاخر الصلاة حتى قدم وهو يريد ان يصليها اذا قدم الى اهله فنسي حين قدم الى اهله ان يصليها حتى ذهب وقتها؟ قال (ع): (يصليها ركعتين صلاة المسافر لان الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي له ان يصلي عند ذلك)(13), اما خبر بشير النبال قال: خرجت مع ابي عبد الله (ع) حتى اتينا الشجرة فقال لي ابو عبد الله (ع): (يا نبال, قلت لبيك, قال (ع): انه لم يجب على احد من اهل هذا العسكر ان يصلي اربعاً غيري وغيرك وذلك انه دخل وقت الصلاة في اول الوقت في المدينة)(14), فالظاهر انه (ع) يعطي دستور كيفية الصلاة بدون تصريح انه اداء او قضاء ولم يعقل انه يقصد نفسه وظرفه الذي هو فيه لعدم تصديق ان يترك الامام مسجد الرسول (ص) ويترك الصلاة في اول وقتها ويصلي متأخراً خارج المدينة.
وطائفة ثالثة امرت بالتخيير كصحيح ابن حازم قال: سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: (اذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل ان يدخل اهله فسار حتى يدخل اهله فان شاء قصر وان شاء أتم والاتمام احب الي)(15) ولم يصرح ان حال الاتيان كان في الوقت او بعد فوتها ولو حملناه على الاداء لعارضه صحيح ابن جابر الذي هو المعتمد في الباب وفيه اقسم الامام (ع) بالله بان من خالفه فقد خالف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وطائفة رابعة حديث اسحاق ابن عمار قال: سمعت ابا الحسن (ع) يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال (ع): (ان كان لا يخاف فوت الوقت فليتم وان كان يخاف خروج الوقت فليقصر)(16), وصحيح ابن مسلم عن احدهما H في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة؟ فقال (ع): (ان كان لا يخاف ان يخرج الوقت فليدخل وليتم وان كان يخاف ان يخرج الوقت قبل ان يدخل فليصل وليقصر), قال في المهذب: (ويمكن ان يكون معناه ان كان لا يخاف فوت الوقت وهو في السفر فليدخل الى اهله وليتم الصلاة وان كان يخاف الفوت وهو في السفر فليقصر حال كونه في السفر فلا ينافي في القسم الاول)(17).


(1)الوسائل 29 ح3 اعداد الفرائض ونوافلها.

(2)الوسائل 23 اعداد الفرائض ونوافلها.

(3)الوسائل 4 مواقيت.

(4)الوسائل 21/4 اعداد الفرائض والنوافل.

(5)الوسائل ب17 ح4 مسافر.

(6)الوسائل ب17 ح4 مسافر.

(7)الوسائل ب17 ح7 مسافر.

(8)الوسائل ب17 مسافر.

(9)الوسائل ب17 مسافر.

(10)الوسائل ب23 ح1 اعداد الفرائض ونوافلها.

(11)الوسائل ب21 صلاة المسافر.

(12)الوسائل ب21 صلاة المسافر.

(13)الوسائل ب21 صلاة المسافر.

(14)الوسائل ب21 صلاة المسافر.

(15)الوسائل ب21 صلاة المسافر.

(16)الوسائل ب21 صلاة المسافر.

(17)مهذب الاحكام 9/332.