23- وصيَّتي بدفع الحقوق الشرعيّة:

إن القرآن الكريم فيه آيات كثيرة تشير إلى الصدقات والزكاة والخمس وآيات الإنفاق والتأكيد والبشارة عليه الشيء الكثير، والنهي عن الشح، والاكتناز والبخل، والاغترار بالأموال وعدم البذل بإنذارات بنار جهنم، والأحاديث في ذلك أكثر عدداً، وأشدُّ لهجةً ونحن الآن لسنا بصدد سرد الأحاديث واستيعاب المواضيع وإنما نشير ونوصي بالإجمال والإنفاقات على أقسام وتقسيمات كثيرة وهذه بعضها:
الحقوق منها واجب ومنها مستحب وكل منها إما أداء أو قضاء وكل منها إما منصوص في كتاب الله وإما مشار إليه عموماً، أي داخل في عموم أوامر أكل الحلال وحرمة التعرّض للحرام والشبهات وكل منها إما أصلياً وإما مجعولاً ثانويّاً فهذه 64 قسم.
ثم غير الواجب والمستحب:
إما إنفاق حرام أو حلال، إما في حق الله أو الناس، إما أداء أو قضاء إما مذكور معين بالكتاب الكريم أو داخل في أكل المال بالباطل أو في حلية ما في الأرض عموماً إما أصلياً وإما عارضيّاً فهذه 32 قسم.
وليس من مقاصد هذا الكتاب التفصيل الفقهي، لأنها مجرد توصيات ولكن لا بأس بتوعية أبنائنا المؤمنين ببعض التفصيل.
فالواجب من الحقوق:
1-الأصلي منها لله الخمس والزكاة.
2-والعارضي لله ما وجب بنذر أو عهد أو يمين أو كفارة.
3-وهما إما أدائي لفرض حاضر أو قضاء عن فرض سابق.
4-والواجب للناس الإنفاق على الزوجة والنفس و العمودين من الأقرباء، والحيوان النافع والزرع اللازم والممتلكات لحفظها.
5-وتسليم ديون الناس المأخوذة في الماضي وأثمان البيوع وما شابه.
6-والعارضي مثل ما يعرض النفس والأهل من مرض وحاجة مهمة.
7-والمستحب لله مثل الصدقات والمبرات وإقامة المشاريع التربوية والخيرية ونشر الكتب.
8-وهي إما حادثة حاليّة أو قضاء عما مضى.
9-وللناس إعانة الفقراء والبذل لبقيّة الأقرباء.
وأما في القرآن فباب واسع في الأمور الاقتصادية والمعاملية من خمس وزكاة ونذور وعهد ويمين وأوقاف وصدقات ودين ورهن وارث ووصية وعارية ووديعة وأطعمة وأشربه وتجارة وكفارات ومهر ونفقات الزوجية والأقرباء وأنفال وتوجيهات وفروع كثيرة ولا بأس برد إشكال من أحد أفراد العامة على الشيعة:
وهو أن شخصاً عاميّاً قال: لماذا رسائل علماء الشيعة تفصل موضوع الخمس بكثرة وتختصر أحكام الزكاة مع أن الخمس آية واحدة والزكاة مكرر كثيراً ؟ قال هذا وكان لم ير إلا رسالتي، كانت عند صديقه الذي قال له سوف آتيك بالجواب فلما سألني قلت له: أولاً إن الخمس الذي نزلت فيه آية واحدة وهي آية 41 من الأنفال، إنها تعني كل ما يغنم الإنسان في حياته فهي آية حياتية ابتلائية وليست عارضة وقتية وأما آيات الزكاة فهي على قسمين منها ما يعني كل عطاء وكرم من واجب ومستحب في الحياة بل قد شمل العطاء الخلقي بتزكية النفس ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (1.)) الشمس، فهذه الآيات تشمل الخمس وغيره وأما الزكاة التي تفصل في رسائلنا فهي قسمان زكاة المال وهي خاصة على المزارعين ورعاة الأنعام وأنا بالذات أوجبها على التجار أيضاً في النقود المجتمعة لا في البضائع والقسم الثاني زكاة النفس وهي الفطرة في عيد الفطر فقط، وبعد هذا فإن التفصيل للزكاة ليس بقليل أيضاً فإشكاله لا وجه له أبداً.
والصرف المباح ما صرف في الأمور المحللة، كالنزهة والطعام والشراب وحسن الأثاث وحسن المسكن والمركب وما شابه مما ليس بإسراف، كما في الحديث (من سعادة المرء دار وسيعة ودابة سريعة وزوجة مطيعة).
وفي مضمون أبيات شعرية:

سعادة المرء وكل الكمال

 

دنيـا وأخرى زينـة للرجال

علم وحلم وتقى خالص

 

وزوجة فيها التقـى و الجمال

وسعة الدار وبر الورى

 

والاكتساب من وجوه الحلال

والحرام منه ما كان محرماً لنفسه كالمال المسروق وما شابه، ومنه ما حرّم لغيره كبذل المال للخمر والزنا والفساد والظلم وما شابه.
وإذا حصل المال الحرام بيد الشخص وأراد التخلص منه فهو إما معلوم لأصحابه أو مجهول المالك، وإما معلوم المقدار أو مجهول.
1-فإن كان معلوم المقدار والمالك وجب إيصاله إليه.
2-وإما العلم بالمالك في ضمن جماعة غير مشخَّص وجب المصالحة مع الجميع مع الإمكان.
3-وإما مجهول المالك بالمرة وجب التصدق عن المالك في وجوه البر.
4-وإما مجهول المقدار معلوم المالك وجب المصالحة معه أو مع الجميع إذا كان في ضمن الجماعة.
5-وإما مجهول المقدار والمالك وجب التصدق بمقدار خمس المال المجتمع، على موارد الخمس بالذات وهي حق الإمام وحق السادة على المشهور بين الفقهاء.
فإلى بعض الأحاديث والآيات:
إنني أعتقد أن الجريمة الاقتصادية هي أعظم ذنباً وعقاباً من الجريمة الجنسيّة من الزنا واللواط وما شابه، وفي الحديث يقول (إن درهماً من الربا أعظم عند الله من الزنا بذات محرم)، ولذا فصّلت الآية حال مدَّخر المال في أماكن الاحتراق وشدة التعذيب ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)) التوبة. وهذه التوصيات الهامة لذوي الأموال: ((لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)) القصص.
وعقب قصة قارون بقوله تعالى ((تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) ))، وقال تعالى: ((إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) )) التغابن.
وقال تعالى: ((الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)) البقرة.