48- وصيَّتي بالوالدين إحسانا وبذي القربى:

1- إن المسلم المتكامل الإيمان والعامل بالعدالة والإنصاف للناس هو الذي لا يقصِّر مع أحد من الناس فضلاً عن أن يقصر مع والديه الذين أفاضا عليه أسباب الوجود في الحياة الدنيا ثم الخلود في الآخرة ولولاهما ثم لولا حفظهما له لما كان ولما ولد ثم لما عاش وكبر ونشأ متكامل الأعضاء والقوى ومع ذلك قد تتضجر البنت أو الولد من أقل أمر يصدر من الوالدين وقد نهى الله سبحانه عن الضجر بأن نهى عن قوله لهما أف. ولو كانت كلمة في الضجر أقل منها لنهى الله عنها كما في حديث الإمام الصادق (ع).

 ((وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)) إذ قرن الله الإحسان إليهما بعبادته ((إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما)) وبسبب ضعفهما سوف تكثر حوائجهما وطلباتهما ((فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)) أوطىء لهما كتفك وتنازل لهما في بدنك رحمةً وعطفاً بهما وادعُ لهما بالخير والرحمة ((وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) )) الإسراء، كما شقيا خصوصا أمي في حملي وولادتي ورضاعتي وحضانتي.

2- والآية الأخرى ((وَوَصَّيْنَا الإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ)) أي سبَّب لها الحمل ضعفاً بعد ضعف وأوجاعاً بعد أوجاع وولدته وأرضعته (وفصاله) أي فطامه (في عامين) رضاعة طويلة وشاقة وكانت تسهر الليالي وتمرض بمرضك وتفرح لفرحك وتحزن بحزنك (أن اشكر لي ولوالديك) واعلم أنه ((إِلَيَّ الْمَصِيرُ)) لقمان.

3- وهذا الاحترام حتى لو كانا كافرين منحرفين: كما في الآية ((وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)) أي تنسب إلى الله تعالى ما لم تعلم أنه يمكن أن ينسب له كإطاعة سلطان ظالم وموالاته مما علم عداوته لله (فلا تطعهما) ولكن ((وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ)) 31- لقمان 15.

4- وإذا أردت الإعراض والابتعاد عنهما إما لضلالهما وأن البقاء معهما يسبِّب لك الانحراف عن الحق وإما اضطرارا للرزق والعمل وما شابه فالآية تقول ((وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28) )) الإسراء، وكيف كان فلا تفارقهما إلا بطيب خاطرهما ورضاهما ودعائهما لك.

5- وسأل رجل رسول الله 4 (ما حق الوالد على ولده؟ قال أن لا يسميه باسمه ولا يمشي بين يديه ولا يجلس قبله ولا يستسب له) أصول الكافي ج3. أي لا يسب الناس حتى يسبوا والديه، وقال (ص) (من برَّ والديه زاد الله في عمره) روضة الواعظين 348.

وقال (سيد الأبرار يوم القيامة رجل برَّ والديه بعد موتهما) سفينة البحار 3 ص 687.
وقال شاب: (يا رسول الله إني راغب في الجهاد نشيط فيه, فقال النبي (ص) فجاهد في سبيل الله فإنك إن تقتل تكن حياً عند الله ترزق وإن تمت فقد وقع أجرك على الله وإن رجعت رجعت من الذنوب كما ولدت، فقال يا رسول الله إن لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي فقال رسول الله (ص) فقرَّ مع والديك فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة) أصول الكافي ج 3 الوالدين.