62- وصيَّتي هداية العائلة:

إن الإنسان كما يحب أبناءه وبناته وزوجاته وإخوانه وأبويه وخواص أصحابه في الدنيا ويفرح لفرحهم ويحزن ويتألم لأحزانهم ومصائبهم وقد يموت كمداً إذا أصاب أحدهم مصيبة، فعليه أن يلاحظ ذلك في الآخرة ولا يسمح لنفسه أن يترك ولده بلا صلاة أو بناته بلا حجاب أو أبوه يرابي أو عمه يقامر أو خاله يزني أو حفيده يلوط، وهو يعتبر حاله مؤمناً ملتزماً شريفاً عفيفاً فإن ذلك عار عليه في الدنيا ووبال وعض الأيادي له أيضاً في الآخرة لأن الله سبحانه كما أمر الشخص بالإيمان والعبادة كذلك أمر قريبه وكل من اطلع عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو إن لم يؤدِّ هذه الشعيرة العظيمة فإنه يؤخذ بذنب المذنب ويسحب معه إلى نار جهنّم ولذا ورد في الحديث (الساكت عن الحق شيطان أخرس).
(من رأى منكم منكراً فليغيّره).
قال الله تعالى ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6)) التحريم.
((فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15)) الزمر. فالإنسان كما هو مرتبط بأهله النسبيين والسببيين في الدنيا كذلك مرتبط بهم في الآخرة فإن أدّى واجبه بأمرهم ونهيهم والمواصلة والاستمرار معهم كما في الآية ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132)) طه. فقد برئ إلى الله من حقهم وسيكون حجة على من عصاه منهم في العبادة، وإن لم يأمرهم أو أمرهم أمراً عابراً ولم يصطبر ويواصل, فإنهم سوف يتبرؤون منه ويلعنونه كما يلعنهم هو أيضاً يوم القيامة وكلهم يؤخذون إلى جهنّم وبئس المصير, هو بتقصيره بالتبليغ وهم بالعصيان والعناد وإن الزوجة والأولاد قد يكونون سبباً لزيادة الثواب وعلو الدرجات في الآخرة والسعادة في الدنيا وقد يعكس فيكونوا سبب الشقاء لهم ولمن ألّفهم ورباهم وصرف عليهم وسبباً لضلال الزوج والأب ودخوله في نار الجحيم نعوذ بالله.
فلذا قد نهى الشرع من إطاعة الزوجة في الغالب وذلك لأنها قد تغويه والزوج في الغالب يميل لها لا قربةً إلى الله وإنما يحب جنسها وأمّا المؤمن المتكامل العقل والإيمان فلا يميل لها ولا لغيرها عن أوامر الله تعالى ولا يداهن في دينه بسبب شهواته ولهواته ورغباته وأطماعه وأخيراً أقول له: أنك إذا رأيت من خواصّك وأحباء قلبك أنهم لو أصابهم شوكة أو شيء من حريق النار إنّك تتألم معهم ولا تهنأ بطعام ولا شراب ولا نوم فلو فرضنا أنك ستنجو يوم القيامة من عذاب الله وسخطه فكيف ستصبر وتتحمل وأنت تراهم يجرجرون إلى نار جهنّم. ((إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)) المؤمن.
وأخاطب أهلي: يا أبنائي وبناتي وأصهاري وأحفادي ويا أحبائي ويا من يعز عليّ اعملوا لأنفسكم وانجوا بأنفسكم من غضب الله تعالى فوالله إنّي لا أستطيع أن أغني عنكم بشيء إني أفر منكم يوم القيامة, وأنتم تفرون منّي، ليتني أنجو بنفسي, وليتنا نكون من أهل هذه الآية.
((وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) )) الزمر.