في البدء: 1- الدنيا والزهد فيها والعمل الصالح:

هذه تعتبر أولى وصاياي في هذا الكتاب، ولابدَّ من التمهيد في الدعوة للزهد بالدنيا والدعوة إلى العمل للآخرة.

  1. قال تعالى: ((فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) 11-112 هود.
  2. ((وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)) 113 هود.
  3. ((وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)) (53) المؤمنون.
  4. ((وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ)) (74) المؤمنون.
  5. ((قالُوا أَ إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)) (83) المؤمنون.
  6. ((حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)) (100) المؤمنون.
  7. ((إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ... وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ... إِنَّ هذا لَهُوَ الفوز العظيم (60) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (61) أَ ذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ)) الصافات.

وعن أمير المؤمنين (ع) (أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وأذنت بوداع وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت بإطلاع إلا وإن اليوم المضمار وغداً السباق والسبّقة الجنة والغاية النار، أفلا تائب من خطيئته قبل منيته ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه... إلا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها إلا وإنه من لا ينفعه الحق يضرره الباطل ومن لا يستقيم به الهدى يجربه الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، تزودوا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غداً) خطبة 21.
ومن خطبته (ع) الغراء (82):
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال ووقَّت لكم الآجال وألبسكم الرياش وارفع لكم المعاش... فإن الدنيا رنق مشربها ردغ مشرعها يونق منظرها ويؤلق مخبرها غرور حائل وضوء آفل وظل زائل وسناد مائل... إلى ضنك المضجع ووحشة المرجع ومعاينة المحل وثواب العمل... حتى إذا تصرمت الأمور وتقضت الدهور وازف النشور، أخرجهم من ضرائح القبور وأوكار الطيور... رعيلاً صموتاً وقياماً صفوفا ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي عليهم لبوس الاستكانة وصرع الاستسلام والذلة قد ضلت الحيل وانقطع الأمل وهوت الأفئدة كاظمة والجم العرق وعظم الشفق وأرعدت الأسماع لزبرة الداعي إلى فصل الخطاب ومقايضة الجزاء ونكال العقاب ونوال الثواب... فيالها أمثالا صائبة ومواعظ شافية لو صادفت قلوباً زاكية وأسماعاً واعية وآراء عازمة والباباً حازمة، فاتقوا الله تقية من سمع فخشع واقترف فاعترف ووجل فعمل وحاذر فبادر وأيقن فأحسن وعبر فاعتبر... فهل ينتظر أهل بضاضة الشباب إلا حواني الهرم وأهل غضارة الصحة إلا نوازل السقم وأهل مدة البقاء إلا آونة الفناء مع قرب الزيال وأزوف الانتقال... فهل دفعت الأقارب ونفعت النواصب وقد غودر في محلة الأموات رهيناً وفي ضيق المضجع وحيداً قد هتكت الهوام جلدته وأبلت النواهك جدته وعفت العواصف اثاره ومحا الحدثان معالمه وصارت الأجساد شحبة بعد بضتها.
والعظام نخرة بعد قوتها والأرواح مرتهنة بثقل أعبائها موقنة بغيب أنبائها لاتستزاد من صالح عملها ولا تستعتب من سيء زللها). صدق أمير المؤمنين (ع).