38) عقاب العظماء في معاصيهم:

إن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة لتلعن وتنذر العظماء من العلماء المنحرفين بأشد اللعن والإنذار فإن الله قد قسم الذين أعطاهم الله الفضل والعلم إلى ثلاثة أقسام، ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) )) فاطر.
ورد فيها عدة توجيهات وتفسيرات من جملتها:
ـ أن الذين اصطفينا بعد رسول الله (ص) هم الأئمة الاثني عشر وأمهم الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين، والثلاثة المذكورون هم المتصلون بهم فمنهم ظالم وآخر مقتصد وثالث سابق في خلته وصحبته لإمام زمانه.
التفسير الثاني هو أن الذين اصطفاهم بالعلم ودرجات الفضل هم على ثلاثة أقسام والسابق منهم الإمام المعصوم والثاني والثالث هم المتعلقون المتصلون بأعلام الأمة، وكيف كان فقد عبر الله عن العلماء المنحرفين بما لم يعبر عن الآخرين فقد:
1- سمّاهم حماراً ((مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) )) الجمعة، هكذا عبّر عن علماء وأحبار بني إسرائيل.
2- وسمّاهم كلباً لاهثاً وهو بلعم بن باعور الذي آتاه الله الاسم الأعظم فدعا به على موسى(ع) نصرة لفرعون فابتلاه الله بالزنا وافتضح وقتل شنقاً وسجد للشيطان حين رفع للإعدام، قال تعالى: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)) (176) سورة الأعراف.
3- وخصهم باللعن والويل فقال: ((فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) )).
4- وسمّاهم الطاغوت والجبت: ((أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) )) النساء.
5- وسمّى القضاة المنحرفين طواغيت وهكذا الحكام على الناس: ((يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) )) النساء.
6- وسمّاهم كفاراً فسّاقاً ظالمين: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)... وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47))) المائدة.
7- وبشّر العلماء المرشدين بالباطل بالنار مع الذين اتبعوهم وسمّاهم كفاراً ظلمة ولعنهم: ((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ)) معلوم من هاتين الجملتين أنهم ممن يتعرض للقرآن ويتدخل فيه فهم من المسلمين لأن الكافر بالله لا يعترف بالقرآن حتى يعرف آياته ولا يفتري على الله وإنما ينكر الله ويجحده، وفي تفسير أهل البيت(ع) الإفتراء على الله بالفتوى والتفسير للقرآن الكاذبين، والتكذيب بالآيات هو التكذيب للأئمة عليهم السلام بعد رسول الله إذ هم أعظم آيات الله وهذه هي قناعتي وأقول كما يقول الشاعر:
هذا اعتقادي قد كشفت غطاءه            فليرضَ أرباب النهى أو يمنعـوا
((أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ))، الظاهر أنهم يعطيهم الله علم القرآن ويترفعون به في الدنيا، ((حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ)) أين الخلفاء والسلاطين الذين استقويتم بهم وحاربتم بسلطاتهم أئمة الحق وشيعتهم، ((تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا)) الذين دعونا الناس لهم ((وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ)) بولاية أهل البيت(ع) وليسوا كافرين بالله كما قلنا ((قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها)) (38) الأعراف، والأمم بمعنى الجماعة والحزب كالحزب الأموي والعباسي ومن شابه الذين ظلموا أهل الحق، ((أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)) لمحمد وآل محمد(ع) وشيعتهم، ((الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ كافِرُونَ (45)) هود، يعلمون الناس الأحكام والتفسير للقرآن المنحرف عن الخط الرسالي القويم والبعيد عن تفسيرات أهل البيت الصادقين.
8- ولعن العلماء الكاتمين للحق عن الناس، ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159) )) البقرة.
9- تشديد اللعن على المنافقين الذين آتاهم الله البينات أي العلم الواضح ثم يكفرون باتباع رسول الله (ص) ، ((كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87))) سورة آل عمران.
10- ولعن أئمة السوء وسمّاهم مقبوحين: ((وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) )) سورة القصص.