ما هو مناط العظمة؟

قال أحد الأصدقاء شعراً:
إنما السيد من ساد الورى                   بخصال عن أبيه المصطفى
ليس بالأموال والجاه ولا           بقصور ملؤوها زخرفـا
إن العظمة والكرامة والرفعة إنما هي درجة يمنحها ويخصها الله لعباده والتفضيل هو لمن فضله الله تعالى:
1- كما قال مولانا زين العابدين(ع) في مجلس يزيد (لع): (أعطينا ستاً وفضلنا بسبع أعطينا العلم والحلم والشجاعة والفصاحة والعبادة والمحبة في قلوب المؤمنين وفضلنا بأن منا النبي المختار ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سيدة النساء ومنا سبطا هذه الأمة ومنا مهديُّها)، قال الله تعالى: ((قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) )) سورة آل عمران، وقال تعالى: ((اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)) (124) سورة الأنعام.
2- وكيف كان فالعظمة ليست بالأموال، ولذا ترى أن الله سبحانه قد أهان أكبر غني متمول وخسف به وبداره وأمواله الأرض وهو قارون حتى تأسف وتيقظ المغرورون به ((قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) )).
((فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (82) )) سورة القصص، وعظم الفقير وجعله ملكاً على الناس وهو طالوت، ((وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247) )) البقرة.
3- وكذلك ليست هي بكثرة العبادة فإن إبليس قد عبد الله سبحانه وتعالى آلاف السنين وقد لعنه الله تعالى.
4- وكذلك ليس بكثرة العلم فإن أعلم علماء بني إسرائيل بلعم بن باعور آتاه الله الاسم الأعظم وقد لعنه الله ومات كافراً مخلداً بالنار، ويقول الشاعر:
لوكان في العلم من دون التقىشرف                لكان أشرف خلق الله إبليس
5- وليس هو بكون الإنسان خليفة ويتسلط على الأمة وإن ظن المنافقون وضعاف النفوس أن الشرف لهم بذلك فدحروا أهل البيت من أجله وهجموا بيوتهم وقتلوهم وقاتلوهم.
6- كما ليس هو بفصاحة اللسان:
فإن أفصح الولاة لبني أمية الحجاج بن يوسف الثقفي وهو الذي كان يهدد أهل الكوفة قائلاً:
أنا ابن جـلا وطلاع الثنايـا                        مـتى أضع العمامة تعرفوني
وقال: (إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها)، وقد لعنه الله وغضب عليه وخلّده في نار جهنم أبد الآبدين وذلك بتورطه بقتل عشرات الآلاف من المؤمنين ومن سادة أصحاب رسول الله (ص) والتابعين وسجن أكثر منهم وهدم البيوت وأهلك الحرث والنسل، ومعلوم أن ((مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93)) سورة النساء.
وأشعر شعراء بني أمية يزيد لعنه الله وأهل بيته وهو الذي قتل سيد شباب أهل الجنة ريحانة سيد الرسل وسبى عيالات رسول الله(ص). وأعلن الكفر بالإسلام والرسالة بقوله:
ليت أشياخي ببدر شهدوا                  جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا واسـتهلوا فرحـاً                  ثم قالـوا يا يـزيد لا تشـل
لست من خندف إن لم أنتقم               من بني أحمد ما كان فعــل
لعبت هاشم بالمـلك فـلا                خبر جاء ولا وحـي نـزل
وقال معلنا بشرب الخمر والسخرية بالصلاة:
دع المساجد للعباد تسـكنها               واجلس على دكة الخمارواسقينا
ماقال ربك ويل للذي شربوا               بل قـال ربك ويل للمصلينـا
وقال شامتاً بمقتل سيد الشهداء وعظيم الشفعاء:
لما بدت تلك النفوس و أشرقت            تلك الشموس على ربى جيرون
نعب الغراب فقلت صح أولاتصح                   فلقد وفيت من الغريم ديـوني
إنه كان يطلب رسول الله(ص) دماء أجداده المشركين الفاجرين فاستوفاها بقتل سبطه وأهل بيته وسبي عيالاته الكرام عليهم الصلاة والسلام فماذا نفعه الشعر والأدب والخلافة يا ترى؟ غير العار والشنار والنار وغضب العظيم الجبار وكفاه جواب خطبة مولى الثقلين زين العابدين(ع) وسيدة النساء زينب الكبرى(ع).
7- نعم إن الشرف والعظمة والرفعة هو كون الإنسان نافعاً للبشرية هادياً لهم إلى الطريق الصحيح خاشعاً في واقع نيته وقلبه لمولاه ملتزماً الطريق الحق مجانباً للمنكرات ولأفكار المخالفين ماضياً في اتباع الحق مهما كان الثمن لا تأخذه في الله لومة لائم.
أ- قال الإمام الصادق(ع): (أما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه).
ب- وقال الله تعالى: ((فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثالَ (17) )) سورة الرعد.
ت- ((أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ (19) )).
ث- ((وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) )).