مناقشة لحديث الفرق:

روى جماعة من رواة بني أمية أن النبي(ص) لما قال: (بأنه ستفترق أمتي إلى 73 فرقة منها فرقة ناجية سأله بعض الأصحاب ومن هي الفرقة الناجية؟ فقال: ما أنا عليه وأصحابي)، وهذا الحديث لم يثبت لدينا لقرائن كثيرة وتحتاج إلى كتاب واسع يحويها ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور فمن تلك القرائن:
1- أن أصحاب الرسول(ص) حوالي 120 ألف نسمة نساءً ورجالاً كما اتفق عليه الحفاظ في حضورهم يوم غدير خم في حجة الوداع حيث خطب النبي بتولي علي أمير المؤمنين(ع) من بعده، وكثير من هؤلاء بل أكثرهم منافقون وضعاف الدين ولم يثبت ويخلص منهم إلا بمقدار عدد الأصابع كما تجد التصريح بذلك في تفاصيل وقعة حنين والخندق وأحد وذات السلاسل التي نزلت فيها سورة العاديات، وحرب خيبر والآيات الكثيرة على ذلك في سورة التوبة والمنافقون والأحزاب والأنفال ومحمد(ص) وغيرها.
2- خطأ النظرة بسلامة الأصحاب: إن ضعف الدين قد ظهر غالباً قبيل وبعد وفاة النبي(ص) فالقول بإطلاق الصلاة عليهم عند الصلاة على الرسول بأن يقال: (وعلى أصحابه أجمعين) إنها خلاف كتاب الله وخلاف الثابت في التاريخ وقد لعن رسول الله من تخلف عن جيش أسامة، ولعن من ينكر حق أهل البيت(ع) من بعده، والآية تخاطبهم بالارتداد: ((وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (144) )).
والآية بلهجة الخطاب لنفس من حول الرسول(ص) ، وليس للذين هم خارج المدينة وأيضاً أن النبي(ص) قد صرح: (لا ينجو من أصحابي إلا كهمل النعم)، وسيؤخذ بقوم من أصحابي إلى النار فأقول يا رب هؤلاء أصحابي فيأتيني النداء دعهم يا محمد فإنك لا تدري ما فعلوا من بعدك).
3- لو راجعت القرآن الكريم لرأيت حوالي ألف آية نزلت في حوادث المنافقين وضعاف الدين فما يفعله بعض المفسرين من أن كل آية يظهر منها ذلك ينسبونها لمنافق مشهور ولا يعممون لغيره وخصوصاً من تسلط على الناس بعد رسول الله فلا وجه له بل المنافقون أعم من ذلك بل كانوا متسترين حتى أن سول الله(ص) في ظاهر الحال كان لم يحزر بعضهم فراجع الآيات الكثيرة ((لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ))، ((وَلَوْ نَشاءُ لأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30) )) سورة محمد(ص) ، ((إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) ))، إن هذه الآية تخاطب الأصحاب وتثبت أن لهم أضعاناً على الرسول والرسالة وقد ظهرت بعض هذه الأضغان في المواقف الحرجة ((وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا)).
4- أي فرقة نأخذ في يوم القيامة؟ هل هي فرقة الشيخين وأتباعهم أم فرقة علي الذي صرح بعدم قبول سيرة الشيخين وإنما يعمل بكتاب الله وسنة نبيه مما هو صريح بأن سيرتهم خالفت ذلك، أم بسيرة القاتل كعثمان ومروان ومعاوية أو المقتول صديق رسول الله أبي ذر الغفاري ومحمد بن أبي بكر، أم بسيرة المبغي عليه والمفترى عليه أمير المؤمنين وشيعته أم بفرقة الباغي معاوية وطلحة والزبير وأمثالهم.
5- إن حديث ما أنا عليه وأصحابي يخالف كل أعراف العقلاء اذ أن كل عظيم يكون حوله من الصالحين الخواص وهم أقلاء ويكون حوله من الطماعين والضعفاء والمنافقين وهم الأغلب وخصوصاً من كان داعية لأمر سماوي فإن القرآن يثبت في قصص الأنبياء أن كل نبي كان المخالفون والمحاربون له أكثر بكثير من المخلصين له. ((وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ))، و((وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ))، ((ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ)).
ومعلوم أن المقصود بالآخرين هم أمة محمد(ص) . وهكذا لاحظ أحوال الناس في كل زمان وحول أي عظيم في التاريخ.
6- كل الآيات التي فيها مدح الأصحاب فيها تبعيض واشتراط فمثل: ((وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً)) (29) سورة الفتح، هذه كلها شروط وأولها أن يكون الصحابي الممدوح مع الرسول لا أنه يفر حين المحنة ويكرر ذلك في كل الحروب الضخمة: ((لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاَتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) )) التوبة، فهؤلاء فاقدون شرط المعية وأنهم يركعون ويسجدون مع الرسول لا أنهم يتركون الرسول في المسجد ويفرون للمنافع لمجرد مجيء بعض التجار كما في آخر سورة الجمعة وهم أكثر الأصحاب حتى خلا المسجد من ألف نسمة إلى خمس أو عشر نفرات وحتى قال الرسول(ص): لو ذهب هؤلاء أيضاً لصب عليهم العذاب صباً، فهؤلاء ليسوا منهم. ((يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً))، لا يبتغون مطامع دنيوية في أسفار قريبة وأعراض قريبة ويفرون عند كون الشقة بعيدة وهم كثير من الأصحاب ومعلوم أن مفسري العامة يفسروها بعبد الله لأن ذكر غيره وهو المعاند والمتأخر أكثر بنافي سيادة سلطة بني أمية ومن مهد لهم سلطان الظلم والفساد (رحماء بينهم) لا أشداء على المخلصين المؤمنين كما روي أن درة عمر كانت أشد على الناس من سيف الحجاج والهجوم على بيت الزهراء وسحب أمير الولاية صهر خاتم الرسالة والمعرات التي جزعت وأثارت كل المسلمين في مصر والعراق والحجاز حتى اتفق جميعهم على قتل عثمان من تسليط أقربائه الخمارين وسلب الأموال كما في خطب أمير المؤمنين والتهتك العجيب حتى قالت عائشة: (اقتلوا نعثل قتله الله فإنه قد أبلى سنة رسول الله قبل أن يبلى ثوبه)، وكما قال النبي: (لو اكتمل بنو العاص ثلاثين اتخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً ودينه دخلاً)، وإن النبي أصبح مغموماً لأنه رأى بني أمية ينزون على منبره كالقردة راجعوا في ذلك التفاسير المفصلة في آية: ((وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (60) )) سورة الإسراء.

ثم أنه لم يسلم البشارة لهم إلا بالتبعيض قال: ((وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) )) فقد قال منهم ولم يقل كلهم والآية الأخرى تبشر التابعين بقولها: ((وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ)). وليس مجرد التابعية وإنما العمل بالإحسان وهي ولاية محمد وآل محمد(ص) والبراءة من أعدائهم، وكما في الآية: ((إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) )). فلا يكفي الإيمان والعمل الصالح والتوبة من المعصية إلا بالإهتداء إلى ولاية أهل البيت(ع) كما في الأحاديث وإلا فلا معنى آخر لتكرار هذه المراحل ثم فرض الهداية.