56) بنو أمية قبل الرسالة وبعدها:

إن مذاهب العامة تركن إلى الذين ظلموا من بني أمية وأمثالهم ولمن سول لهم وتدافع عنهم وترقِّع على جرائمهم ولازالت، ولو راجعت مواقف بني أمية قبل الدخول بالإسلام لرأيتهم أشد مجرمي الحروب وورد فيهم الوعيد بالنار وغضب الجبار ولو علم الله فيهم الهداية لما أنزل الآيات ومنهم أبو سفيان وكل من حوله وبما فيهم أخته زوجة أبي لهب وأبناؤه الذين لعنهم رسول الله مع لعن أبي سفيان فقال: (لعن الله الراكب والسائق والقائد).
ـ وأما دخولهم الإسلام فلم يعرف إلا بحالة الخوف والرعب ورفع السيف على رؤوسهم كما في قصة جلب العباس لأبي سفيان ليتفوه بالشهادة وقوله أنها أثقل عليّ من الجبال فيشير له إلى السيف فيتفوه قربة إلى السيف تعالى.
ـ وأما بعد الإسلام فحدث ولا حرج من المعرات والجرائم والملوكية القاسية الأليمة وإليك عينات قليلة من الأفعال والأقوال وراجع في كل تاريخ لهم:
أ) رفس أبو سفيان قبر حمزة برجله وقال: (ذق عق عق إن الذي جالدتنا عليه صار إلى صبياننا يتلاقفونه تلاقف الكرة)، يعني أن السلطة صارت إلى عثمان الأموي وأخذ يتلاعب بأعراض ودماء وأموال المسلمين كيف يشاء.
ب) في وقعة حنين وقف أبو سفيان وجماعة بني أمية وكلمة أبي سفيان مشهورة (يضحك ويقول اليوم يظهر سحر محمد) أي يظهر بفشله وقتل المسلمين.
ج) عند تخلف عثمان على المسلمين كان أبو سفيان ضريراً فسأل أهل المجلس هل في المجلس علي وجماعته؟ قالوا: لا. فقال: تلاقفوها يا بني أمية تلاقف الكرة فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار، فقال له علي أعمى الله قلبك كما أعمى عينيك يا أبا سفيان كيف قلت؟ فقال أعمى الله قلب و عين من أخبرني أنك لست هنا.
د) قال ابن شعبة لمعاوية بعد مقتل أمير المؤمنين(ع) يا معاوية خفف الجور والمطاردة لشيعة عليّ ألا ترى أن إمامهم قد قتل وساءت حالهم.
فقال: إن هذا أخاتيَم حكم وما مات حين مات حتى انقطع ذكره وقيل مات فلان وإن هذا أخا عدي... وهذا أخونا عثمان، وهذا ابن أبي كبشة، يعني نبي الإسلام محمد 4 (قد قرن اسمه باسم الله يصاح به في كل يوم خمس مرات لا والله إلا دفنا دفناً لا والله إلا قتلاً قتلاً). فرجع عبد الرحمن إلى البيت مغضباً لكفر معاوية وقال لولده محمد رجعت من أكفر الناس). وهذا الخبر في الموفقيات لابن بكار.
هـ) عندما تعاهد مع الإمام الحسن(ع) صعد المنبر فسب الحسن وأباه وقال: (ما جئتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ولكن لأتأمر عليكم وإني قد منيت الحسن بن علي شروطاً وكلها تحت قدمي لا أفي له بواحد منها).
ومعلوم أن في المعاهدة اسم الله واسم الرسول فقوله هذا كفر سواء وضعها تحت قدمه حقيقة أم قولاً فقط وأي خلافة للإسلام هذه أن يجعل معاهدة إسلامية تحت قدمه بما فيها من الكلام؟!
و) قتل يزيد الحسين(ع) بن بنت رسول الله وسبى عيال الرسول وجلس في مجلس عام يعلن الشماتة بالله ورسوله وأهل بيته وقد حبس سيدة نساء العالمين زينب الكبرى سبطة رسول الله مع الأطفال مربقين بالسلاسل في خربة لا تظلهم من شمس ولا تقيهم من الحر حتى تقشرت وجوههم وأبدانهم.
ومن شماتته قوله:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

 

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلُّوا واستهلُّوا فرحاً

 

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من أشياخهم

 

وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا

 

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

 

من بني أحمد ما كان فعل

فقامت له فقيهة الوحي وعابدة آل محمد(ص) بخطبتها القاصعة: (أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء وحيث صفى لك ملكنا وسلطاننا أن بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة... منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد أهل الأرض ونجوم الأرض من آل عبد المطلب نتكتها بمخصرتك تهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكاً موردهم وستنظر ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد بئس للظالمين بدلاً...
فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فواله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمرنا وهل جمعك إلا بددو رأيك إلاّ فند وأيامك إلاّ عدد يوم ينادي المنادي إلا لعنة الله على الظالمين...).
ز) عبد الملك بن مروان لمامات أبوه وجاءته الخلافة بأمر نبذة الكتب وشذاذ الأحزاب فقذف القرآن جانباً وكان أول خطبته في الشام قوله: (إن كل من أوصاني بتقوى الله ضربت عنقه)، وأول فعل قام به أن أخرج السيدة زينب(ع) من مدينة جدها إلى الشام فماتت هناك ودفنت حيث شاء الله أن يجعل قبرها في عاصمة بني أمية علماً من أعلام الوحي الرسالي الولائي العظيم.
ح) هشام بن عبد الملك قد طال جحيمه على الأمة فتورط بقتل إمامين من أئمة أهل البيت وهما علي زين العابدين ومحمد الباقر(ع) وهنيئاً له الخلود في أسفل درك من النار.
ط) الوليد بن عبد الملك الملقب حتى عند عباده بالفاسق وأولى له فإنه حين رجعت عشيقته حبابة من السفر وهي ليست زوجته وهذا طبيعي فإن العقد ليس بالمهم عند مثل هؤلاء من خلفاء المسلمين فأمر البواب أن يغلق الأبواب في ذلك الأسبوع لأن ظِل الله في الأرض وخليفته مشغول... وعند الصباح وهما مخموران تساءلا هل هو يذهب للصلاة بالمسلمين! أم حبابته؟!
فاستخار في القرآن فظهرت له الآية: ((وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17) )). فشد القرآن على الحائط وأخذ يرميه بالسهم وهو يقول:
تهدِّدنــي بجبـَّار عنيـد                فهـا أنا ذاك جبـَّار عنيـد
إذا ما جئت ربك يوم حشر                فقـل يا ربِّ مزقني الوليـد
وهذا الابتداء ولا نهاية إلا بظهور الحجة(ع) قريباً إن شاء الله تعالى ولأتباعهم منا يوم أسود إن شاء الله تعالى.