58) عقيدتي في نهج البلاغة المقدس:

وأعرض الآن عقيدتي بنهج البلاغة وأنقل بعض خطبه التي قد تأثرت بها.
إن كتب الأحاديث المنقولة عن أئمتنا وبالأخص كتاب نهج البلاغة الشريف، إنه لا يعلو عليها كتاب إلا كتاب الله تعالى فإن كلامهم صلوات الله عليهم فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق سبحانه وتعالى بل لا أبالغ لو قلت لك أن حديثهم يعرف من غيرهم بدون حاجة إلى مراجعة الإسناد فيها ولذا إني أثبت أن قرائن صحة السند في الحديث أربعة ممدوحية الرجال المحدثين وموافقته للشريعة الثابتة عن أهل البيت ومخالفته للعامة المخالفين لهم ونور الحديث وهو كون الأسلوب أسلوبهم وتعبيراتهم فإن القاريء والمستمع السليم السليقة يستطيع أن يعرف أن هذا الكلام من أسلوب النبي وأهل البيت(ع) أم مؤلفاً ومتقولاً عليهم وبالتالي إن كلامهم نور من الله سبحانه قد ظهر بين عباده، فكل إنسان من البشرية لم يتدبر أحاديث أهل البيت(ع) وخصوصاً نهج البلاغة الشريف أنا لا أعتبره متكامل الأخلاق ولا متفهما للزهد والتقوى ولا متفهماً للقرآن الكريم حقيقة ولا ملتزماً بالحق ولا أحاشي مسلماً ولا كافراً ولا عالماً ولا جاهلاً، فليتدبر كتاب نهج البلاغة حتى يشعر بصحة ما أقول وإنما أهل البيت(ع) هم الذين نزل في بيوتهم القرآن وهم تراجمة الوحي ومنهم يؤخذ الحق ويبطل الباطل، ومن زعم غير ذلك فهو كذاب ملعون أو جاهل مغرور.
يقول الشاعر الفرزدق رحمه الله:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم                            إذا جمعتنا يا جرير المجامـع
وتصديقاً لدعوانا في معرفة أسلوب أمير المؤمنين(ع)، اسمع هذه المناقشة ما بين علماء السنة، إذ نقل ابن أبي الحديد في شرح الخطبة الشقشقية الآتية قريباً، أنه قال له أستاذه أبو الخير الواسطي بأنه قد ناقش أستاذه العلامة عبد الله بن أحمد بن الخشاب المتوفى 567هـ الحنفي المذهب. وأنه سأله: (أتقول أنها منحولة؟) أي مجعولة وليست من أمير المؤمنين(ع): (فقال لا والله وإني لأعلم أنه كلامه كما أعلم أنه مصدق، فقلت له: إن كثيراً من الناس يقولون أنها من كلام الرضي فقال أنّى للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب وقد وقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته في الكلام المنثور، وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر). شرح النهج ج1 ص40.
وفي ج1 ص543 نقل هذا السؤال أيضاً والجواب:
(وربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن وغيره وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم فضلوا عن النهج الواضح وتنكَّبوا بينات الطريق ضلالاً لقلة معرفتهم بأساليب الكلام)، وجزى الله المدافعين عن الحق خير الجزاء، ولا أريد أن أنقل خطباً وإنما إشارات ومقتطفات ومن أراد التمام فعليه بكتابنا (نهج البلاغة دروس رائعة).
وهذه قبسات من نور نهج البلاغة كعيّنة لبيان الحق وتأديب البشرية ودعوة جبارة إلى الإيمان والتقوى وانتقادات قامعة للإجرام والمجرمين، أولى الخطب عن توحيد الله تعالى وخلق الكون قال(ع): (أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة) والله تعالى منزه عن الغيرية في ذاته، (فمن وصف الله فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزَّأه ومن جزَّأه فقد جهله) أظن أنها فقد جسّده أو جسّمه، (ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حدَّه ومن حدَّه فقد عده ومن قال فيم؟ فقد ضمنه ومن قال علام؟ فقد أخلى منه). إلى أن يقول: (ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء وشق الأرجاء وسكائك الهواء... ورمى بالزبد ركامه فرفعه في هواء منفتق وجوٍ منفهق فسوى منه سبع سموات جعل سفلاهن عوجاً مكفوفاً وعلياهن سقفاً محفوظاً وسمكاً مرفوعاً بغير عمد يدعمها... ثم فتق ما بين السموات العلى فملأهن أطواراً من ملائكته منهم سجود لا يركعون وركوع لا ينتصبون وصافون لا يتزايلون ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة الأبدان ولا غفلة النسيان... ثم جمع الله سبحانه من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها تربه سنها بالماء حتى خلُصت... ثم نفخ فيها روحه فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها وفكر يتصرّف بها وجوارح يختدمها... ثم أسكن سبحانه آدم داراً أرغد فيها عيشته وآمن فيها محلته وحذره إبليس وعداوته فاغتره عدوه نفاسة عليه بدار المقام... ثم بسط الله سبحانه له في توبته ولقاه كلمة رحمته ووعده المردَّ إلى جنته فاهبطه إلى دار البلية وتناسل الذرية، واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم... ومضت الدهور وسلفت الآباء وخلفت الأبناء إلى أن بعث الله سبحانه محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإنجاز عدته وتمام نبوته...
ثم اختار سبحانه لمحمد(ص) لقاءه ورضى له ما عنده وأكرمه عن دار الدنيا ورغب به عن مقارنة البلوى فقبضه إليه كريماً(ص) وخلف فيكم ما خلّفت الأنبياء في أممها إذ لم يتركوهم هملاً بغير طريق واضح ولا علم قائم) أي نفس الإمام(ع) جعله رسول الله(ص) مفسراً لكتاب الله من بعده. (كتاب ربكم مبيناً حلاله وحرامه وفرائضه وفضائله)، أي الأعمال المستحبة كالقنوت في الصلاة، (وناسخه ومنسوخه) مثل العدة أربعة أشهر وعشراً نسخت حداد الأرملة إلى سنة ومثل تحليل نساء أهل الكتاب نسخت إطلاق تحريم الكوافر ومثل صدقة الإمام علي(ع)، نسخت وجوب الصدقة لمن أراد مناجاة الرسول(ص) (ورخصه) مثل إجازة الإفطار لمن يطيق الصوم والصوم خير له ومثل إجازة عدم قتل بعض أسرى بدر وكان القتل أفضل (وعزائمه) كفرائض العبادات وغيرها مما لا رخصة فيه (وخاصه) مثل تحليل زيادة الزوجات للنبي من دون المؤمنين (وعامه وعبره) كما في قصص الأنبياء(ع) والأمم السابقة (وأمثاله) كالتمثيل بالحمار والبعوضة والزبد وولاية أهل البيت(ع) بالنور وغيرها وأنهم نور على نور (ومرسله) بدون تحديد مثل إطلاق وجوب الصلاة وأنها لا تسقط بكل حال، (ومحدوده ومحكمه ومتشابهه) مثل الحروف المقطعة في أوائل السور وأن الإمام الذي هو وصي النبي على أمته (مفسراً جمله ومبيناً غوامضه) وهذه الغوامض منه (بين مأخوذٍ) على إمام الزمان (ميثاق علمه وموسع على العباد في جهله) مثل الحروف المقطعة إذ لم يكلّف العباد أن يعلموا معناها (وبين مثبت في الكتاب فرضه ومعلوم في السنة نسخه) مثل تحليل طعام أهل الكتاب فقد خصت في السنة بغير اللحوم لأنها تحتاج إلى تذكية (وواجب في السنة أخذه ومرخص في الكتاب تركه) مثل التقصير في السفر فإنه واجب مع أن الكتاب قد خص التقصير بحالة الخوف (وبين واجب بوقته وزائل في مستقبله) كوجوب الصدقة بمناجاة الرسول(ص) ثم ارتفاع الوجوب.
2- وقال في الحكام من غير أهل البيت(ع):
(زرعوا الفجور وسقوه الغرور وحصدوا الثبور لا يقاس بآل محمد(ص) من هذه الأمة أحد ولا يسوَّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً هم أساس الدين وعماد اليقين إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة الآن إذ رجع الحق إلى أهله ونقل إلى منتقله).
3- الخطبة الشقشقية:
وقال في أبي بكر: (أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إليَّ الطير فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً وطفقت أرتأي بين أن أصول بيدٍ جذَّاء أو أصبر على طخيةٍ عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، حتى مضى الأول لسبيله إذ أدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ثم تمثل بقول الأعشى.
شتان ما يومي على كورها                 ويـوم حيان أخي جابرِ
يعني فرق بين كون الإمام(ع) على الجمل في الحكم الحالي حيث البدع الكثيرة والعنجهيات وضرب الأصحاب والقضاء بين الناس بالباطل كما ترى ذلك مفصَّلاً في كتاب قضاء أمير المؤمنين(ع) حيث قضى الإمام مستدركاً لمظالم كثيرة لولاه لحصلت، وبين موقف الإمام في حكم الأول لأن الأول كان يمدح الإمام ويصرح بأفضليته ويقول للناس أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم وعليٌّ فيكم (فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته) وهو قوله أقيلوني... (إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدّ ما تشَّطرا ضرعيها) مثّل الإمام الخلافة بثديي الناقة إذ كل منهما أخذ يمص اللبن من ضرع منها ومنع الآخرين من الاحتلاب (... فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلوّن واعتراض فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكنني أسففت إذ أسفُّوا وطرت إذ طاروا فصغى رجل منهم لضغنه). أي ابن وقاص مال لعداواته لعلي(ع) إذ لم يختره ولم يبايعه ومعلوم أنه بيت عداوة لآل محمد وابنه عمر بن سعد هو على رأس قتلة الإمام الحسين(ع) (ومال الآخر لصهره) ابن عوف زوج أخت عثمان من أمه (مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين فثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله). مثل (خضم الإبل نبتة الربيع...).
4- (... والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي (بمحالب) أمه...).
5- (فوالله مازلت مدفوعاً عن حقي مستأثراً عليَّ منذ قبض الله نبيه(ص) حتى يوم الناس هذا)، ومن نصائحه لعثمان: (واعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هُديَ وهدى فأقام سنة معلومة وأمات بدعة مجهولة وإن السنن لنيِّرة لها أعلام وإن البدع لظاهرة لها أعلام وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضل به فأمات سنة مأخوذة وأحيا بدعةً متروكة وإني سمعت رسول الله(ص) يقول يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في نار جهنم فيدور فيها كما تدور الرحى ثم يرتبط في قعرها).
6- وقال عن مروان يوم أسره في وقعة الجمل فتشفع بالحسن(ع) والحسين(ع) ففكه الإمام(ع) فقالا له ألا يبايعك يا أمير المؤمنين فقال: (ولم يبايعني بعد قتل عثمان، لا حاجة لي في بيعته إنها كف يهودية لو بايعني بيده لغدر بسبته) أي بدبره (أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه) وقد حكم بعد يزيد ستة أشهر (وهو أبو الأكبش الأربعة وستلقى الأمة منه ومن ولده يوماً أحمر) وأولاده عبد الملك والأربعة هم أبناء عبد الملك وهم الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام.
7- وفي خطبة 86: (... عباد الله إن من أحب عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه... وآخر تسمى عالماً وليس به فاقتبس جهائل مع الجهال وأضاليل من ضلاّل... أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين(ص) إنه يموت من مات منا وليس بميت ويبلى من بلى منا وليس ببالٍ فلا تقولوا بما لا تعرفوا فإن أكثر الحق فيما تنكرون وأعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر). القرآن الكريم (وأترك فيكم الثقل الأصغر) الحسنين وأبناء الحسين(ع) المعصومين(ع) (وركزت فيكم راية الإيمان ووقفتكم على حدود الحلال والحرام والبستكم العافية من عدلي وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي.
8- خطبة 129: (عباد الله إنكم وما تأملون من هذه الدنيا... فرب دائب مضيع ورب كادح خاسر وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدباراً والشر فيه إلا إقبالاً والشيطان في هلاك الناس إلا طمعاً...
فهل تبصر إلا فقيراً يكابد فقراً أو غنياً بدل نعمة الله كفراً أو بخيلاً اتخذ البخل بحق الله وفراً أو متمرداً كأنَّ بأُذنه عن سمع المواعظ وقراً أين خياركم وصلحاؤكم وأحراركم وسمحاؤكم وأين المتورعون في مكاسبهم والمتنزهون في مذاهبهم أليس قد ظعنوا جميعاً عن هذه الدنيا الدنية والعاجلة المنغصة وهل خلفتم إلا حثالة لا تلتقي بذمهم الشفتان استصغاراً لقدرهم وذهاباً عن ذكرهم فإنا لله وإنا إليه راجعون ظهر الفساد فلا منكر مغير ولا زاجر مزدجرا فبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه وتكونوا أعز أوليائه عنده هيهات، لا يخدع الله عن جنته ولا تنال مرضاته إلا بطاعته، لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين به).
9- الخطبة 175 في ذكر مواعظ الله تعالى في كتابه:
(... وإن رسول الله 4 كان يقول أن الجنة حفت بالمكاره وأن النار حفت بالشهوات واعلموا أنه ما من طاعة الله شيء إلا يأتي في كره وما من معصية الله شيء إلا يأتي في شهوة فرحم الله رجلاً نزع شهوته وقمع هوى نفسه... واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ولا لأحد قبل القرآن من غنى فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لأوائكم فإن فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغي والضلال فاسألوا الله به وتوجهوا إليه بحبه... يا أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وطوبى لمن لزم بيته وأكل قوته واشتغل بطاعة ربه وبكى على خطيئته فكان مع نفسه في شغل والناس منه في راحة).
10- في بغض الشرع لاستعمال أكثر من الحاجة:
(دخل أمير المؤمنين دار العلاء بن زياد وكانت واسعة فقال: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج، بلى إن شئت بلغت بها الآخرة تقري فيها الضيف وتصل فيها الرحم وتطلع منها الحقوق مطالعها فإذاً أنت قد بلغت بها الآخرة، فشكى إليه أخاه عاصم أنه اعتزل عن الأهل والناس وحرم الطيبات على نفسه فقال الإمام(ع): (عليّ به، فلما جاء قال له: يا عديَّ نفسه لقد استهام بك الخبيث) أي الشيطان (ما رحمت أهلك وولدك؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على الله من ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك؟ قال إني لست كانت إن الله تعالى فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره). خطبة 200.
11- في الدعاء على غاصبي حقه في المنصب الإلهي بعد الرسول (ص) :
(اللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم فإنهم قد قطعوا رحمي)، إشارة إلى قوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم) بالخلافة على الناس. ((أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22)) سورة محمد(ص) ، ((وأكفوا إنائي)) وهي الخلافة التي كان فيها شرابه الخاص. ((وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري وقالوا ألا وإن في الحق أن تمنعه فاصبر مغموماً أو مت متأسفاً) قالها له عمر حين سحبه إلى المسجد للمبايعة (فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي فظننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى وجرعت دلقي) الشراب المر الذي اندلق من الإناء (على الشجى) وهو عظم يعترض الحلق (وصبرت من كظم الغيظ على أمَّر من العلقم وآلم للقلب من حز الشفار). خطبة 208.
12- وفي سوء عاقبة الظلم والغصب:
(والله لئن أبيت على حسك السعدان) الشوك (مسهَّداً وأجرَّ في الأغلال مصفَّداً أحبُّ إليَّ من أن القى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد أو غاصباً لشيء من الحطام...) خطبة 215.
13- مكاتيب ورقع الإمام(ع) إلى الولاة والناس:
أ- في ذم أهل المدينة بهيجانهم في الباطل في كتابه لأهل الكوفة: (واعلموا أن دار الهجرة قد قلعت بأهلها وأقلعوا بها وجاشت) هاجت واضطربت (جيش المرجل وأقامت الفتنة على القطب) أي على الخليفة الحق أي نفس الإمام(ع) (فأسرعوا إلى أميركم وبادروا جهاد عدوكم إن شاء الله).
ب- في مدح أنصاره من أهل البصرة:
(وجزاكم الله من أهل مصر عن أهل بيت نبيكم أحسن ما يجزي العاملين بطاعته والشاكرين لنعمته فقد سمعتم وأطعتم ودعيتم فأجبتم).
14- وصيته لمالك الأشتر في كيفية الحكم بين الناس:
وهي شروط لازمة على كل ملك وخليفة وحاكم.
(وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: إمَّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل... إياك ومسامات الله في عظمته والتشبه به في جبروته فإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختال...
إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً... فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبل الأمن... وإن أفضل قرة لعين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية... واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور... ثم اختر للناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة... وأوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج وأقلهم تبرُّماً بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشُّف الأمور... ثم أكثر تعاهد قضائه... ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوصِ بهم خيراً، المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجلا بها من المباعد والمطارح في برِّك وبحرك... ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين... واجعل لذوي الحاجات منك قسماً) وقتاً (تفرغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك وتقعد) تبعد (عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع... ونحِّ عنهم الضيق والأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته ويوجب لك ثواب طاعته...
أما بعد فلا تطولن احتجابك عن رعيتك... ثم إن للوالي خاصة وبطانه فيهم استئثار وتطاول وقلة انصاف في معاملة فاحسم مادة أولئك... والزم الحق من لزمه من القريب والبعيد وكن في ذلك صابراً محتسباً... وإن ظنت الرعية بك حيفاً فاصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم باصحارك فإن في ذلك رياضة منك لنفسك ورفقاً برعيتك... إياك والدماء وسفكها بغير حلها... وإياك والإعجاب بنفسك... وإياك والمنّ على رعيتك بإحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك... وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة والواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو أثر عن نبينا(ص).

 

انتهى الباب الأول وهو مجموعة عقائدي
وهذا الباب الثاني وهو مجموعة وصاياي