5- وصيَّتي للنفس والتعلق بالله وترك الاهتمام بما سواه مما لا يراد به وجهه:

يا أيتها النفس تعلقي بالمولى سبحانه تمام التعلق ولا عليك بالناس، فإن الله سبحانه كافيك وحاميك وكالئك ومالئُك.
قال تعالى: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً (3) 000 وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5)) سورة الطلاق.
يا نفس إن الله يستوعب ويعفو وأما الناس فلا يعفون بل إن بعضهم يدور بك الدوائر وينتظر منك الزلاَّت ليشهرك بها بل إن بعضهم يعتبر الصحيح غلطاً ويحقد عليك ويشهرك عليه.
ثم إن الله يرحم استكانتك وانكسار قلبك ويقول (أنا عند المنكسرة قلوبهم) وأما العباد فبعضهم يفرحون ويشمتون حين يرون فيك انكساراً ويزيدونك انخذالاً.
ثم إن الله ينفعك حين الانكسار والحاجة والاضطرار وأما العباد فإنهم لا ينفعوك إلاَّ قليلاً ولو نفعوك فليس بنفع دائم، وإذا نفعوك فربما يؤذوك في المقابل ويمنون عليك ولذا وردت الآيات والأحاديث بعدم المن في العطية كما في الآية ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ... )) البقرة 264.
وإنَّ قسماً من الناس كلَّما تملَّقت لهم واحترمتهم زادوك استصغاراً وإهمالاً وهجراً وحملوك على محامل السوء والتهمه بينما الله يقدر لعبده أتعابه ويقابله بالاحترام و الرفعة ففي الحديث (من تواضع لله رفعه) (ومن تكبر على الله أو على عباد الله حشره الله كالذر تسحقه الخلائق بأقدامها).
ثم إنَّ قسماً من الناس لو أراد احترامك ومدحك أطنب في مدحك سواء كان ذلك حقيقة أو نفاقا حتى يخجلك بين الناس وربما يبعث فيك الغرور من ثنائه بوجهك بينما ذكر الله لك لا يسبب لك الخجل ولا الفخر المنقطع الكاذب وإنما الشرف الدائم الخالد.
وإنَّ قسماً من الناس يوجب الاتصال به والميل إليه الإثم والمسؤولية أمام الله وسوء السمعة بين الناس لفسقه وفجوره وتعدِّيه على الآخرين أو كفره وجحوده للحق باللسان وغيره، وقد قال تعالى: ((الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعاً (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) )) النساء.
ثم إن بعض الناس مؤمنون وطيبون طاهرون ولكن الجلوس معهم يذهب ببعض المنافع واللوازم على الإنسان بينما التفرُّغ لله ومخاطبته ولإطالة مواجهته والكون في خدمته بصلاة أو دعاء لا ينقصك شرفاً ولا يذهب عليك فرضاً بل إطالة ذلك يزيد الإنسان شرفا وحكمة وكمال عقل وحسن أخلاق.
ثم إن بعض الناس كلما رأوا فيك من صلاحيات وفضائل إنهم يقدمون غيرك بالاتباع والاعتراف ممن ليس له الأهلية بالتقديم عليك بينما الله سبحانه له موازين الحق قال تعالى: ((وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) )) الأنبياء.
إن ظلم بعض الناس والتقصير بحقهم عاقبته النار وهو اعتداء عليكِ يا نفسي قال تعالى: ((يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) )) يونس.

تنبيه: إن هذه السلبيات المذكورة في الميل إلى الناس إنما إذا لم يرد بها وجه الله سبحانه وإلا فهي من نوع التعلق بالله.